تجلس ام نضال (78 عام) امام بيتها، في حي حطين في مخيم عين الحلوة. تشرب قهوتها، تكلم احفادها وجيرانها، تحدق بالمارة وتسأل عن السيرة الذاتية لكل من لا تعرفه من المارين بجانبها.. تحاول ان تستعلم عن كل جديد، حتى انها تحلل لكل شاب حاضره ومستقبله، رأيها لا يعجب كل الشباب حتى احفادها، فالرأي السبعيني يؤكد استعادة فلسطين بالعلم والجد والنشاط، لا (بالجل) و(السبايكي) والنرجيلة..ذكرى وتذكيرحوار الجدة ام نضال مع احفادها واصدقائهم، كله نصائح مستندةً الى قصص ماضية عايشتها او سمعتها. والشباب يستمعون اليها مرات بشغف ومرات اخرى رفعاً للعتب. ربما هنا تصارع الاجيال كما يقول حفيدها احمد (23 عاما). الا ان روايات ام نضال واقع عاشته، وحلم تتمنى تحقيقه. في كل جملة تنطقها تذكر (ايام البلاد)، وكل امثالها التي تحصى من ايام بيارات العنب والزيتون، اضافة الى فصول النكبة واللجوء والاستقرار في المخيم وما تبعه من حروب ومعارك. وقصتها المفضلة، استشهاد والدها وهو يدافع عن حطين ايام النكبة. وما يبكيها، استشهاد ابنها نضال في الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وهو يدافع عن مخيم عين الحلوة. تتذكر ام نضال ايامها الحلوة في وطنها، وتقصها على من لم يرَ وطنه، وتحلل تفاصيل رحلتها الطويلة من حطين الى صفد وبنت جبيل وصور وصيدا. وتؤكد انها ستعود هذه المرة الى حطين دفعة واحدة، من غير محطات.ذكريات ام نضال تقع على مسمع المتلقين كبيان عسكري وسياسي واجتماعي، فالروح التي تتحدث بها تجعل المنصتين حالمين، محليلين، مصابرين، حماسيين. هكذا يصف حفيدها جلال (20 عاما) حديثها المولع بثورة داخلية تحاول اطلاقها عبر الكلام لا اكثر.ثورة وثوارتنصح الجدة شبابها بالقتال والكفاح حتى الشهادة، الا انها ترفض التحاقهم بالتنظيمات الفلسطينية. وتعلل ذلك، بوصفها للتنظيمات، انهم من اخروا العودة الى فلسطين. وتحليلها يستند الى مرحلتين. الاولى انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 الى عام 1993 اي اتفاق اوسلو. اما الثانية بعد الانتفاضة الثانية والانتخابات التشريعية عام 2006 والانقسام الفلسطيني الحاصل بين حماس وفتح. تؤكد ام نضال ان الثورة الفلسطينية حين انطلقت التحق بها كل الشعب ومن ضمنهم زوجها ومن ثم ابناءها. وكانت الثورة وسلية لتحرير الارض واستعادة الحقوق، والجميع آمن بها. ولكن بعد ذلك ضلت الطريق، اي القادة هم من ضلوا الطريق، وذهب كل واحد يفتش على مصلحته الشخصية من مال وجاه، وتناسوا فلسطين والشعب.تصف الحاجة ام نضال الثورة الان، بأنها (كذبة صدقناها). فالثورة الحقيقية لا تنسى شهداءها، ولا تساوم على دمائهم. وبدل من ان نقتل اعداءنا نقتل بعضنا البعض. تقول ام نضال: (كنا نجمع الذهب والاكل وكل شي ونعطي للفدائية)، لكن الان قادة (الفدائية) يعطون من عندهم فقط لحمايتهم وليس تحرير فلسطين. فهل يعقل ان القائد الفلاني يقود سيارة (اخر موديل) ويلبس (عالموضة) واغلى الثياب، وزوجته لا تأكل الا بالمطعم الايطالي، وابنائه في المدارس الاميركية، ويسكن خارج المخيم وفي الاحياء الغالية.حرقة ام نضال تصل لابنها فتحي (55 عاما)، فيقول: انا قدمت كثيرا للثورة ولفلسطين وحاربت في كل المعارك، والان ابيع الخضار في السوق، ولا استطيع ان اعلم ابنائي في الجامعات. اعرف احد المسؤولين التابعين لاحدى الفصائل الاسلامية، كان بائع خضار مثلي، وتحول بسحر ساحر الى مسؤول كبير ويدفع لاتباعه ما يحتاجون. وفي الاصل لم يكن يملك ليرة واحدة.يخلص فتحي حديثه، فتدخل اخته ام جمال (44 عاما) على خط النقاش وإعطاء الرأي. وتروي معاناتها مع احد المسؤولين حين ذهبت اليه طالبة مساعدة لعلاج احد اولادها.. فالمسؤول لم يسمح له وقته ووضعه بمقابلتها فأجل اللقاء اكثر من عشر مرات وبالمرة الاخيرة اعتذر عن دفع اي قرش. وتقول ان الغداء الذي كان يتناوله بمكتبه يساوي الطلب الذي ذهبت لاجله.نظريات ام نضال وابناءها في شؤون المسؤولين وطباعهم تساوت بالحرقة والغليان. فتتحدث ام نضال عن جرح النكبة ونضالات المقاتلين حينها وعن قادة الثورة الحقيقين واستشهادهم وتقارنهم بقادة الوقت الحالي. فترى التفاوت الكبير، من حيث مواقع النضال والسيرة الذاتية والطباع الشخصية. فأول النضال كان السكن في الخنادق وليس في الفنادق، والزي الرسمي كان البدلة العسكرية والكوفية الفلسطينية، ليس البدلة والكرافات. فكان الجميع يعرف ان هذا الشخص فدائي من ثيابه ومسكنه وتصرفاته وحبه لشعبه وارضة، لكن الان لا يوجد فدائيين الا من رحم ربي. والقيادة كنا نقتدي بها ونتعلم منها ونتباهى بها، اما الان حين يذكر اي اسم منهم نلعنه ونلعن الساعة التي ولد بها.زاهر ابو حمدة
"إيلياء": مدونة الكترونية تبحث عن اثبات الذات واثبات ان الصمود لا يقف عند الموت وقوفا انما يتعاده ليكون صرخة حقٍ في وجه اللجوء المرير والعودة الى الديار.. ايلياء هي العاصمة الفواحة بالجلنار والزعتر، كينونة تزرف صيرورتها عبر خطوط الاحرف اللازوردية الحمراء.. هنا نحاول رسم خريطة جديدة لوطن لم نلمسه ونقل الجغرافيا المعاشة عبر التاريخ الغابر
الجمعة، 2 يوليو 2010
الثورة الفلسطينية.. من الخنادق الى الفنادق، ومن الكوفية الى الكرافات
تجلس ام نضال (78 عام) امام بيتها، في حي حطين في مخيم عين الحلوة. تشرب قهوتها، تكلم احفادها وجيرانها، تحدق بالمارة وتسأل عن السيرة الذاتية لكل من لا تعرفه من المارين بجانبها.. تحاول ان تستعلم عن كل جديد، حتى انها تحلل لكل شاب حاضره ومستقبله، رأيها لا يعجب كل الشباب حتى احفادها، فالرأي السبعيني يؤكد استعادة فلسطين بالعلم والجد والنشاط، لا (بالجل) و(السبايكي) والنرجيلة..ذكرى وتذكيرحوار الجدة ام نضال مع احفادها واصدقائهم، كله نصائح مستندةً الى قصص ماضية عايشتها او سمعتها. والشباب يستمعون اليها مرات بشغف ومرات اخرى رفعاً للعتب. ربما هنا تصارع الاجيال كما يقول حفيدها احمد (23 عاما). الا ان روايات ام نضال واقع عاشته، وحلم تتمنى تحقيقه. في كل جملة تنطقها تذكر (ايام البلاد)، وكل امثالها التي تحصى من ايام بيارات العنب والزيتون، اضافة الى فصول النكبة واللجوء والاستقرار في المخيم وما تبعه من حروب ومعارك. وقصتها المفضلة، استشهاد والدها وهو يدافع عن حطين ايام النكبة. وما يبكيها، استشهاد ابنها نضال في الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وهو يدافع عن مخيم عين الحلوة. تتذكر ام نضال ايامها الحلوة في وطنها، وتقصها على من لم يرَ وطنه، وتحلل تفاصيل رحلتها الطويلة من حطين الى صفد وبنت جبيل وصور وصيدا. وتؤكد انها ستعود هذه المرة الى حطين دفعة واحدة، من غير محطات.ذكريات ام نضال تقع على مسمع المتلقين كبيان عسكري وسياسي واجتماعي، فالروح التي تتحدث بها تجعل المنصتين حالمين، محليلين، مصابرين، حماسيين. هكذا يصف حفيدها جلال (20 عاما) حديثها المولع بثورة داخلية تحاول اطلاقها عبر الكلام لا اكثر.ثورة وثوارتنصح الجدة شبابها بالقتال والكفاح حتى الشهادة، الا انها ترفض التحاقهم بالتنظيمات الفلسطينية. وتعلل ذلك، بوصفها للتنظيمات، انهم من اخروا العودة الى فلسطين. وتحليلها يستند الى مرحلتين. الاولى انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 الى عام 1993 اي اتفاق اوسلو. اما الثانية بعد الانتفاضة الثانية والانتخابات التشريعية عام 2006 والانقسام الفلسطيني الحاصل بين حماس وفتح. تؤكد ام نضال ان الثورة الفلسطينية حين انطلقت التحق بها كل الشعب ومن ضمنهم زوجها ومن ثم ابناءها. وكانت الثورة وسلية لتحرير الارض واستعادة الحقوق، والجميع آمن بها. ولكن بعد ذلك ضلت الطريق، اي القادة هم من ضلوا الطريق، وذهب كل واحد يفتش على مصلحته الشخصية من مال وجاه، وتناسوا فلسطين والشعب.تصف الحاجة ام نضال الثورة الان، بأنها (كذبة صدقناها). فالثورة الحقيقية لا تنسى شهداءها، ولا تساوم على دمائهم. وبدل من ان نقتل اعداءنا نقتل بعضنا البعض. تقول ام نضال: (كنا نجمع الذهب والاكل وكل شي ونعطي للفدائية)، لكن الان قادة (الفدائية) يعطون من عندهم فقط لحمايتهم وليس تحرير فلسطين. فهل يعقل ان القائد الفلاني يقود سيارة (اخر موديل) ويلبس (عالموضة) واغلى الثياب، وزوجته لا تأكل الا بالمطعم الايطالي، وابنائه في المدارس الاميركية، ويسكن خارج المخيم وفي الاحياء الغالية.حرقة ام نضال تصل لابنها فتحي (55 عاما)، فيقول: انا قدمت كثيرا للثورة ولفلسطين وحاربت في كل المعارك، والان ابيع الخضار في السوق، ولا استطيع ان اعلم ابنائي في الجامعات. اعرف احد المسؤولين التابعين لاحدى الفصائل الاسلامية، كان بائع خضار مثلي، وتحول بسحر ساحر الى مسؤول كبير ويدفع لاتباعه ما يحتاجون. وفي الاصل لم يكن يملك ليرة واحدة.يخلص فتحي حديثه، فتدخل اخته ام جمال (44 عاما) على خط النقاش وإعطاء الرأي. وتروي معاناتها مع احد المسؤولين حين ذهبت اليه طالبة مساعدة لعلاج احد اولادها.. فالمسؤول لم يسمح له وقته ووضعه بمقابلتها فأجل اللقاء اكثر من عشر مرات وبالمرة الاخيرة اعتذر عن دفع اي قرش. وتقول ان الغداء الذي كان يتناوله بمكتبه يساوي الطلب الذي ذهبت لاجله.نظريات ام نضال وابناءها في شؤون المسؤولين وطباعهم تساوت بالحرقة والغليان. فتتحدث ام نضال عن جرح النكبة ونضالات المقاتلين حينها وعن قادة الثورة الحقيقين واستشهادهم وتقارنهم بقادة الوقت الحالي. فترى التفاوت الكبير، من حيث مواقع النضال والسيرة الذاتية والطباع الشخصية. فأول النضال كان السكن في الخنادق وليس في الفنادق، والزي الرسمي كان البدلة العسكرية والكوفية الفلسطينية، ليس البدلة والكرافات. فكان الجميع يعرف ان هذا الشخص فدائي من ثيابه ومسكنه وتصرفاته وحبه لشعبه وارضة، لكن الان لا يوجد فدائيين الا من رحم ربي. والقيادة كنا نقتدي بها ونتعلم منها ونتباهى بها، اما الان حين يذكر اي اسم منهم نلعنه ونلعن الساعة التي ولد بها.زاهر ابو حمدة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق