الثلاثاء، 13 مايو 2014

تدمير عين الحلوة قبل "كأس العالم"


قُتل في خلال شهرين شباب بعمر الورود في مخيم عين الحلوة. لن يقدر لهم متابعة مباريات "كأس العالم". ولماذا يتابعونه، أو يفكر أحدهم بتشجيع فريقه المفضل؟ طالما أن في مخيمهم يخوض لاعبون كثر "كأس عالم" سياسي أمني، تشارك فيه أجهزة استخبارات، يفوق عددها المنتخبات المشاركة في "المونديال".
لو انتظر الموت أحدهم، أو اسعف الوقت بعضهم، لعرفنا أي منتخب يشجعون. لكن هل كنا سنعرف من أنهى حياة لاجئ فلسطيني كان له ما تيسر من الأحلام، ومن أعطى الأمر بقتل فرحة لا تولد كثيراً في مكان كمخيم عين الحلوة.
منذ الصغر، وحين تبادرت مخيلات زملاء على مقعد الدراسة، كان غالبية التلاميذ يتمنون أن يصبحوا عند كبرهم شرطي أو محقق. قلائل من تمنوا امتهان الطب أو الهندسة أو التدريس، مع أن المهن كلها ممنوعة على الفلسطيني في لبنان، الا أن أحدنا تمنى أن يصبح رائد فضاء. وحين سألناه لماذا؟ قال: "أريد أن أرى عين الحلوة من الفضاء، وأعرف من يقتل في الليل، وإن وجدت الحياة جميلة في المريخ سأبقى هناك وسأخذكم معي، لا تخافوا".  فرد عليه أخر: "أنا الشرطي، وسأعرف من يطلق النار، وبكل تأكيد يشبه محمود المليجي أو توفيق الذقن". كان ذاك الشعور يتغمده سرٌ دفين. فكيف لطفل يولد والقتل مولود قبله بسنوات في عين الحلوة، والاغتيالات تكثر وهو يكبر. وكان الطلاب جميعاً يودون البحث عن الجاني أو المحرض. كانت صور تفرض توقعات سريالية وافتراضات غوغائية، لأن جميع أبناء المخيم، صغارهم وكبارهم يعرفون من القاتل الحقيقي، ويعلمون لماذا قتل هذا؟ ولمن يجب أن تصل الرسالة؟
كاذب من يقول أنه لا يعرف، ومن يريد المعرفة بسهولة يمكنه ذلك. لكن الخوف يتسيد قلوب الناس، فحولهم لعبيد. لكن حين بدأت التظاهرات تكثر رفضاً للاقتتال الداخلي تحولوا إلى أسياد. وحين سمعت المتظاهرون يهتفون في مسيرة تفصل بين المشتبكين: "يا الله ما النا غيرك يا الله"، أيقنت أن التدمير هو مصير مخيم عين الحلوة. هذا ليس كلاماً عاطفياً. قمة الاستنتاج السياسي تستند إلى قدرة الرأي العام على بلورة موقف مستقبلي. إنها السياسة، فكيف اذا تقارنت بالأمن. ورجال الأمن هؤلاء لا يرحمون حتى زوجاتهم. فما الذي يحصل؟
تأجل دخول الجيش اللبناني منطقة التعمير اللبنانية المحاذية للمخيم أشهر عدة. وذلك بسبب تفشي بؤر أمنية أخطر من عين الحلوة، خصوصاً وأن المخيم بريء من السيارات المفخخة باعتراف الامن اللبناني. فالخطط الامنية لطرابلس والبقاع تستنفذ القوى الأمنية اللبنانية، وتدخل الفصائل الفلسطينية عبر ورقة التفاهم سهل تأجيل تحركات الجيش اللبناني.
ونذكر أنه حين تشكلت الحكومة اللبنانية، طلع علينا وزير الداخلية نهاد المشنوق ليؤكد أن السلاح الفلسطيني سيسحب، وردد كلماته رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الجديد، حسن منيمنة. المسؤولان اللبنانيان يستندان إلى ضوء أخضر فلسطيني في المقام الأول، ومن ثم ضغط على حزب الله الذي إلى الأن يرفض تسليم السلاح الفلسطيني لغاية في نفسه، تبدأ من مقولة: "أوكلتم يوم أوكل الثور الأبيض".
بعد التأجيل، أصدرت محكمة لبنانية حكماً بالاعدام على بعض الأشخاص في المخيم (قتل منهم في الاسابيع الماضية)، وقد طلبت الاجهزة اللبنانية تسليمهم، لكن كيف تسلم الفصائل جميعاً شخوصاً لها قوتها في المخيم؟ كان الحل تصفيتها.
ما يمكن تأكيدة أن الحرب على الارهاب التي بدأت في سوريا ومصر والمنطقة، سيكون للمخيم نصيب منها. وكلما تقدم الجيش السوري في حربه ضد المعارضة الاسلامية والمعتدلة، سيكثر الضغط على المخيم.

سيستمر مسلسل الاغتيالات والتجاذبات، واتمنى من الجميع الدعاء بفشل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. فإن تم الاتفاق في المفاوضات سيتم تدمير المخيم بأدوات ذاتية فلسطينية او بتدخل لبناني. وما يحصل الان "بروفا" لما هو أكبر. واذا افترضنا أن "كأس العالم" بعد شهر ونصف تقريباً، فهذا يعني أن نهائيات "المونديال" الفلسطيني في عين الحلوة ستجري قبل العرس الكروي في البرازيل. وللعلم، البرازيل مشتركة في كأس عالمنا الخاص، لانها ستستقبل عدداً من اللاجئين الفلسطينين الذي سيهجرون، بعد اتمام المشروع المعهود.