الخميس، 10 يوليو 2014

نتنياهو يتورط بالحرب: توازن رعب جديد يغير المعادلات

وصلت تقارير إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي تؤكد أن انتفاضة فلسطينية ثالثة بدأت اندلاعها ومع كل تأخر قمعها ستزداد. نظر بنيامين نتنياهو إلى شاشات التلفزة، فشاهد القطار في شعفاط يدمر ويافا تتظاهر والناصرة تشتبك مع شرطة الاحتلال. ونقل له مخبروه من المستعربين أن الملثمين يظهرون في الخليل وجنين والأمن الوقائي الفلسطيني لن يستطع ردعهم. قرأ بيبي، تقرير "الشاباك"، فوجد أن "الهولوكوست" بحق محمد أبو خضير، حَوّله إلى محمد البوعزيزي الفلسطيني، إذاً إنها الانتفاضة ولا بد من وأدها. وإنه الربيع الفلسطيني الموحد تحت غطاء المصالحة الفلسطينية، ولا بد من تحويله إلى شتاء قارس. ويكون ذلك عبر الهجوم والابتعاد عن الدفاع والانتظار.
قدم الأمنيون للمجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" خطط اجتياح غزة، وقال رئيس جهاز الموساد تامير باردو، إن "النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، يشكل أكبر تهديد للأمن الوطني الإسرائيلي في المرحلة الراهنة، وليس المشروع النووي الإيراني". وأوضح وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شتاينتز، أن عملية عسكرية برية داخل قطاع غزة "قد تكون ضرورية". وأخبروه أن الغطاء العربي والدولي قد تأمن، فأخيراً قد زار رئيس الاستخبارات المصري محمد تهامي، إسرائيل وأكد على أن الوساطة المصرية انتهت، ويمكنكم فعل ما ترونه مناسباً، بحسب ما ذكرت إذاعة "صوت إسرائيل". ويرى موقع "ديبكا" الاسرائيلي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعطى الضوء الأخضر لعملية إسرائيلية ضد القطاع، وكشف استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية داني روبنشتاين عن اتفاق وتنسيق وتعاون بين نتنياهو، والسيسي، لإسقاط حكومة "حماس". وخرج بعد ذلك وزير الخارجية المصري سامح شكري ليؤكد أن حدود مصر هو الأهم. تزامن ذلك مع تدمير عدد من الانفاق بين سيناء وغزة.
ورطوه صحبه بالعدوان على غزة، خصوصاً وأن الحليف أفيغدور ليبرمان يفك التحالف، وموشيه يعالون يرفض استعمال القوة. يتمنى نتنياهو، الان لو أن وزير خارجيته بقي متهماً بالفساد ولم يعد إلى حقيبته الدبلوماسية، ويشعر أن رجال أمنه خزلوه ولم يتقصوا جيداً حول قدرات المقاومة.
تفاجأت الحكومة الإسرائيلية، بردة فعل المقاومة ولجأت إلى قصف منازل الناشطين، فبنك الأهداف الإسرائيلي محدود هذه المرة.
استطاعت المقاومة فرض معادلة جديدة وهي "الدم بالدم، والهدوء بالهدوء". ورفعت "كتائب القسام" من شروطها للعودة إلى التهدئة. وكانت الشروط: وقف الحملة التي ينفذها الاحتلال في القدس والضفة، وقف العدوان على غزة، وقف القصف وتحليق الطائرات في القطاع، إضافة إلى الإفراج عن محرري صفقة "وفاء الأحرار"، والكف عن تخريب المصالحة الفلسطينية.
شروط "القسام" من منطلق قوة، فالامكانيات كثيرة ووافرة ومباغتة. فقد خسر الاحتلال عنصر المفاجأة مع التمهيد للعدوان، واستطاع المقاومون استيعاب الضربات الجوية الأولى، وبدأوا بالمبادرة. تؤكد معلومات من غرفة عمليات "القسام" أن "المقاتلون بانتظار القرار السياسي لتحرير كل المستوطنات المحاذية للقطاع". كلام جديد، يستند إلى صواريخ مضادة للدروع أبرزها "الكورنيت" وصواريخ مضادة للطائرات في مقدمتها "ستريلا" و" ايجيلا". سيعيد نتنياهو، النظر بعدوانه وربما يخسر رئاسة الحكومة، خصوصاً وإن تم قصف الجليل، والمقاومة تملك ذلك. وترجح مصادر في "سرايا القدس" أن يستمر العدوان اسبوعين على اقل تقدير، وسيحاول الاحتلال اجتياح القطاع برياً لكنه سيتراجع في كل الحالات، وسيطلب وقف إطلاق النار. الطلبات الإسرائيلية لاعادة التهدئة، تستند إلى أن أكثر من نصف الإسرائيلين مختبؤن في الملاجئ، ولن يتحمل السياسيون والاقتصاديون ذلك. فقد استطاعت المقاومة توسيع دائرة الاستهداف عبر الصورايخ الطويلة المدى وفي مقدمتها "R160" المصنع محلياً نسبة للقائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، و"J80" نسبة للقائد أحمد الجعبري. صيرورة المعركة تفرض على الاحتلال توقع كل شيء، فالمطارات العسكرية والمدنية والمصانع بمجملها تحت مرمى النيران. ومع ذلك، لن تكون الصواريخ هي الفيصل خلال المعركة، إنما العمليات النوعية دخل أراضي الـ48 بعيداً عن العميليات الأستشهادية.
أهداف عملية "الجرف الصلب" تدمير غزة و"حماس" ومنع المصالحة الفلسطينية، والأهم قتل الانتفاضة الشعبية في مهدها. ترتفع معنويات فلسطينيو الداخل، مع كل إنجاز وتهبط معنويات المحتلين، فماذا لو فتحت جبهة جديدة؟
يضع الإسرائيليون احتمالات فتح جبهة لبنان، ربما ليس عن طريق "حزب الله"، إنما مندفعون فلسطينيون. لذلك يتم تشديد الاجراءات عند الحدود اللبنانية وكذلك في الجولان.
وماذا سيفعل الإسرائيليون لو ظهر "داعش" في فلسطين، علماً أن تقديرات إسرائيلية اتهمت تنظيم "القاعدة" بالوقوف وراء أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل.

ميزان القوى لصالح الفلسطينيين بكل المقاييس، وهي مرحلة صنع توازن رعب جديد وتغيير المعادلات. سيحرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قليلاً، لكنه سينتفض سياسياً ودبلوماسياً، ويخسر نتنياهو المعركة في الميدان والحصاد السياسي.

مخيمات لبنان: قوة أمنية بعين الحلوة نواة لـ"جيش تحرير"

يدور الحديث بين أزقة مخيم عين الحلوة شرقي صيدا في جنوب لبنان، حول اجراءات الجيش اللبناني المشددة على مداخل المخيم، ويتبارزون برفع الصوت إن بدأ الحوار حول من سيرفع كأس العالم في كرة القدم. ويخوض شباب المخيم جدالات كبيرة حول "تألق ميسي" و"غياب نيمار"، تستمر حتى انتهاء السحور. هذه المناقشات ستسخن، يوم الثلاثاء المقبل، مع مباريات الدور نصف نهائي للمونديال. ويبدو أن المخيم كله سيكون له نصف نهائي أمني من نوع خاص، ففي حين ينتشر اللاعبون العالمين في أحد ملاعب البرازيل، تنتشر قوة أمنية مشتركة في أحياء المخيم.
ليس غريباً انتشار القوة الأمنية التي تشارك فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني، فالضغط الخارجي كبيراً هذه المرة. ومع أن مطلب الأمن يبقى شعبياً داخلياً ظهر من خلال التظاهرات العديدة الرافضة للانفلات الأمني، إلا أن تشكيل نواة أمنية كان بقرارٍ لبناني في المقام الأول.
اجتمع قبل فترة ممثلو الفصائل الوطنية والإسلامية (الإرهابية بنظر الحكومة اللبنانية) مع المدير العام للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم. كان "الأمر" اللبناني واضحاً: اضبطوا المخيمات، وإلا. فَهم من كان حاضراً تهديد "رجل الوساطات الاقليمية"، فحط قبل أيام مسؤول ملف لبنان في حركة "فتح" عزام الأحمد، ليُخرج دورة عسكرية في مخيم الرشدية خاصة بعناصر الحركة. دَرَب وفد مختص من رام الله 100 عنصر فتحاوي، لكن المصادر تؤكد أن هذه الدفعة ليس لها علاقة بالقوة الأمنية. لماذا إذاً؟
تنشر القوة الأمنية في مخيم عين الحلوة ولها الغطاء الكافي والوافي من الناحية السياسية والأمنية. سيعمل عناصرها الـ150 في محورين أساسيين، الأول ضبط الأمن وتنظيم المرور وحراسة المقرات الرئيسية، الثاني التنسيق مع أجهزة الدولة اللبنانية بكل شاردة وواردة. وأن ينسق "إسلاميون" مع من كان يلاحقهم سابقاً، يؤكد أن الأمور تتغير ولا بد من الإمساك بمخيمات لبنان. فكيف اصبحت "عصبة الأنصار" بزعامة الشيخ أبو محجن (مختفي منذ عام 1998 ومتهم بقتل أربعة قضاة)، معتدلة، ويجالس قادتها مدير الاستخبارات اللبنانية في الجنوب علي شحرور، ويشربون القهوة مع إبراهيم. وما الذي يجعل أمير "الحركة الإسلامية المجاهدة" الشيخ جمال خطاب، وسيطاً مهماً بين "حزب الله" وإسلاميي لبنان.
فرضت تغيرات المنطقة، أسهماً مرتفعة للقوى الإسلامية في عين الحلوة ودفعت السلطة الفلسطينية بالحوار مع جميع الأطراف، على الرغم من أن مسلسل الاغتيالات المضادة لا يتوقف في المخيم.
يخشى لبنانيون من مبايعة "سُنة" في لبنان "أمير المؤمنين". فعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) يتقدمون من خلف الحدود، و"الخليفة إبراهيم" يُعين أميراً للبنان. تكبر المخاوف إن بايع متشددون في عين الحلوة ذاك الأمير (يقال إن الناشطين الإسلاميين بلال بدر واسامة الشهابي ومجموعتهما بايعا أبو بكر الغدادي، في الخفاء)، ويصبح المخيم رهينة لهم ومن بعده مدينة صيدا، أي بواية "حزب الله" إلى الجنوب.
دعا الأحمد، خلال زيارته الأخيرة، السلطة اللبنانية للدخول إلى المخيمات وتحديداً عين الحلوة، لتتولى ادارته أمنياً وسياسياً. قمة الإحراج السياسي، ليُلبى ما تطلب. يعرف أبو نداء، أن الجيش ممنوع من دخول المخيمات، وهذا يحتاج إلى قرار دولي والأهم قرار من "حزب الله"، والأطراف "الشيعية" أو المحسوبة على الحزب في الدولة. إن اتخذ القرار ورفضت أطراف فلسطينية تسليم سلاحها، يعني الحرب الأهلية. لذلك، طلب المسؤول الفلسطيني الغطاء الأمني القضائي بعد السياسي لعناصر القوة الأمنية في المخيم، وكان له ما أراد. الأن أي عنصر في القوة يمكنه أن يطلق النار ويقتل بأمر قائده، ويعتبر عناصر القوة وضباطها مثل منتسبي قوى الأمن اللبناني والجيش الرسمي، ولن يلاحقوا قضائياً كما كان يحصل مع "الكفاح المسلح" سابقاً.
تأجل انتشار القوة أكثر من مرة، خصوصاً بعد ما حصل في مخيم المية مية، أخيراً. فقد هاجم عناصر من جماعة "أنصار الله" (مقربون من حزب الله) بقيادة جمال سليمان، مقراً لـ"كتائب العودة" فقتلوا ثمانية في مقدمتهم قائد الكتائب أحمد رشيد عدوان. وبما أن سليمان، كان قد وقع على ورقة التفاهم الفلسطينية في 23 مارس/آذار الماضي، التي تؤكد على الأمن وعدم القتل، كان لا بد من مراجعة مشاركته في القوة الأمنية من قبل باقي الفصائل. وأعادت القوى الإسلامية في المخيم مراجعة موقفها من المشاركة في القوة، على خلفية طبيعة عملها، وأماكن انتشارها ومن قائدها. فاتفقت الفصائل مجتمعة على تكليف العميد "الفتحاوي الإسلامي" خالد الشايب قائداً للقوة. ويعتبر الشايب مسؤولاً في "فتح" لكن ميوله إسلامية ومقرب من قادة القوة الإسلامية في المخيم. وتعهدت "فتح" بدفع 75 في المئة من تكاليف القوة الأمنية (150 ألف دولار) على أن تدفع "قوى التحالف الفلسطيني" بقية المبلغ.
وكان خلافٌ طرأ سابقاً في شؤون تشكيل القوة، كيف ستم دمج العناصر الإسلامية بالعناصر الوطنية، خصوصاً وأن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ستشارك بالنصف مقابل القوى الإسلامية (حماس، الجهاد، عصبة الأنصار، أنصار الله، الحركة الإسلامية المجاهدة...). ومنعاً للإحتكاك، ارتأى مسؤولو الفريقين بأن يتسلم كل فريق مربعه الأمني، فتستلم القوى الإسلامية الشارع الفوقاني، الذي يشهد أكثر عمليات الاغتيال ويعتبر معقلاً للإسلاميين.
وعند انتشار القوة الأمنية، سيصبح لزاماً عليها تسليم أي متهم للسلطة اللبنانية ومداهمة اي بيت يطلق منه نار. وهنا تبدأ المخاوف. فالمخيم بغالبيته مسلح، ومن سيقبل باعتقاله إن اتهم بأمر ما. وهذا يرجح فرضية أن تبدأ الهجمات ضد مراكز القوة الأمنية وعناصرها، أو تكثر الاغتيالات والاشتباكات ما يضع القائمون عليها في حيرة وضعف.
في المقابل، يراهن مسؤولون لبنانيون وفلسطينيون على نجاح القوة الأمنية في عين الحلوة، لتكرارها في المخيمات الـ12 الأخرى في لبنان، لكن بصيغة أخرى. ما يتناقل في الأروقة الأمنية الضيقة، يؤكد أن هناك مشروعاً يقضي بتشكيل "جيش تحرير فلسطيني" في لبنان، على غرار ما هو موجود في سورية ومصر والأردن. وسيكون عبارة عن "لواء" من عناصر وضباط فلسطينين داخل الجيش اللبناني، مهمته حفظ الأمن في المخيمات، وربما دورات "فتح" العسكرية في مخيم الرشدية تصب في هذا الاتجاه.

ومما لا شك فيه، ستواجه القوة الأمنية حالياً ضغوطاً كبيرة، خصوصاً وأن العدد قليل، فـ150 عنصر في بقعة مساحتها كيلو متر مربع ويسكنها 85 ألف لاجئ فلسطيني وأضيف إليهم 15 ألف من لاجئي سورية. لكن معركة القوة "نصف نهائية" حتى تصل إلى النهائي وتفوز باحترام الشارع الفلسطيني والجوار اللبناني، ومن ثم تتحول إلى "جيش تحرير" في كل لبنان، وإلا سيكون المخيم سيناريو أوله تدميره.