الجمعة، 26 ديسمبر 2014

حبيبها "الداعشي"

ماذا تودين أن تشربي، ما رأيك بنبيذ أحمر وسط هذا البرد الشديد؟ كان أول ما نطق به حين جلس مع حبيبته في أحد مطاعم بيروت.
أجابت: "أريد شاي أخضر". وكان لها ما أرادت، وطلب لمعدته كأس نبيذ.
وفي ظل الهدوء الرومانسي، مر طفل سوري يعتاش من بيع العلكة. استنفد المشهد الحبيبين، كل بطريقته.
الحبيب: "مش حرام هالولد بهذا البرد؟".
الحبيبة: "خليهم يعملوا ثورة ويطالبوا بالحرية، الأسد كان يؤمن لهم ما يريدون".
اخترقت نظرته عيناها، وهو يدعي العلمانية قولاً وفعلاً، معلناً الحرب: هذا سببه الثورة أم البراميل المتفجرة.
جهزت أسلحتها، وردت بصواريخ كلامية أولها: لا حبيبي "داعش".
قاطعها: هل "داعش" المسؤول عن تهجير 6 ملايين سوري؟
أكملت: لولا ارهابهم ما كان هناك "داعش"، والإرهاب هو ما أوصلهم إلى هنا.
تابع: لن أسرد لك الاتهامات بوقوف النظام السوري وراء ولادة "داعش"، لكن هل هذا الطفل يعرف ثورة وحرية؟ ومن استخدم السلاح بوجه المتظاهرين، وعسكر التظاهرات؟
ردّت: هم إرهابيون، ومن أوصل لهم السلاح، وأنت مثلهم، ولو أنك لست "داعشياً" مثلهم، لا تدافع عنهم. أخرج "الدعدوش الّي جواتك".
فوجئ: "أنا ضد عسكرة الثورة، بس لكل فعل ردة فعل. وأكيد ضد التدخلات الخارجية، بس كيف طلع معك إني مع داعش؟.
أنذهلت: "لو انك ضد داعش ما بتدافع عن الدواعش، انتو بس بدكو تسقطوا الأسد لأنو مش من طائفتك".
جن جنونه: "لعلمك أنا كنت مع اسقاط بن علي ومبارك والقذافي وهؤلاء سنة وضد داعش أيضاً، ومع خلع كل ظالم من طنجة حتى جاكرتا على رأي صاحبنا".
انفعلت: "صحيح انت ديمقراطي على ناس وناس، وجماعة الخليج يعلموا دروس بالديمقراطية، وهالشي واضح بالانتخابات السنوية الشفافة والنزيهة، وارسال الدواعش".
طلب كأس نبيذ آخر: "الخليج وغيرهم لا يُعرّفون أنفسهم أنهم جمهوريات حتى يعملوا انتخابات رئاسية، وبكل تأكيد أنا مع ثورة البحرين، ولو هناك ثورة حقيقية في أي مكان سأكون معها. وهل هناك معلومات أنهم يرسلون متطرفين، ربما، لكن حبايبك جابوا من الهند وباكستان مقاتلين وأكيد ما تنسي صاحبك الّي حدّنا".
رفعت حاجبها ومررت يدها على شعرها: "المعلومات ما في أكثر منها، بس انت بتحب البغدادي صاحبك، ومن يقطعون الرؤوس والنفوس".
هز كأسه: "صحيح أنا مع البغدادي، والعلامة أني أشرب الخمر.. وأجلس مع حبيبتي في وضح النهار، أنا داعشي بـِحبك، قومي لنمشي وخليكي بالقوقعة الطائفية".
ولم يعرف حتى الآن إن افترقا أم لا يزالان يتناقشان في المستقبل مع "داعش" أم من دونه. ولم يُعرف من دفع حساب المطعم، لكن على الأرجح أنه دفع هو: النساء يتذكرن أن الرجال قوامون عليهن في هذه المسألة فقط.


نتنياهو يستطلع بالقوة انتفاضة فلسطينية: "العين بالعين" يربك الحسابات

زاهر أبو حمدة
2014-11-26 

أنهى بنيامين نتنياهو محادثة "عاصفة" مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي طلب أن يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى المفاوضات، وأن يتراجع عن قرار بناء المستوطنات في القدس. كان هذا قبل ثلاثة أسابيع، بحسب صحيفة "معاريف" المقربة من حزب "الليكود" اليميني برئاسة نتنياهو.
ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين إسرائيليين، أن نتنياهو أبلغ عدداً قليلاً من المسؤولين حوله بأن أوباما يعتزم التخلي عن دولة الاحتلال، وتركها تواجه وحدها قراراً محتملاً من مجلس الأمن الدولي بمنع الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967.
تحولت العلاقة الأميركية ــ الإسرائيلية إلى خلاف يسبق الطلاق، فالزواج الأبدي أضحى قائماً على المصلحة لا أكثر، ويمكن فضه عند الضرورة القصوى. إنها المعركة الدبلوماسية الخارجية الصعبة، فالراعي الرسمي يتخلى عن وكيله في لحظات صعبة يُعدّ فيها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خطة للعودة للمفاوضات، فيما الفلسطينيون يصرون على التوجه إلى مجلس الأمن.
وهذا يؤكد أن الميزانية الأمنية ستصل العام المقبل إلى 57 مليار شيقل، يضاف إليها 89 مليار شيقل كفوائد على الديون المستحقة على إسرائيل، ليبلغ إجمالي الموازنة ككل نحو 417 مليار شيقل (112.5 مليار دولار). ويبدو أن إسرائيل ستدفع ثمن الحرب على غزة حتى العام المقبل، بحسب الخبير الاقتصادي الإسرائيلي، رفيت هيخت، في مقال نشر في صحيفة "هآرتس"، تعقيباً على نسبة العجز المستهدف، مشيراً إلى أنه لم يكن ليصل إلى هذا الحد لولا القرار الخاطئ من القيادة العسكرية.
وترى رئيسة حزب "ميرتس"، زهافا غلاؤون، أن "الحكومة صدّقت على ميزانية كاذبة، لأنها تدرك مسبقاً أنها لن تستطيع الالتزام بها. والنتيجة ستكون أن النفقات المدنية ستواصل التقلص، والعائلات الفتية ستواصل الانهيار تحت العبء الاقتصادي". إذاً التظاهرات ستعود إلى ميادين تل أبيب، وستسقط الحكومة في نهاية المطاف.
ترك نتنياهو، الصحيفة وغادر منزله متوجهاً إلى مكتبه، وفي الطريق استمع إلى "الإذاعة الإسرائيلية"، تذيع تصريحاً لمسؤول رفيع في الحكومة، لم تذكر اسمه، يشير إلى أن الحل هو في الانتخابات المبكرة في بداية عام 2015، أما فكرة الائتلاف البديل فليست جدية، مشيراً إلى أن قرار البناء في القدس الأخير الذي اتخذه نتنياهو، ليس خطوة غير محسوبة بل هو خطوة سياسية مخطط لها.
وصل إلى مكتبه، فوجد تقريراً فيه عدد الدول في العالم، التي اعترفت بفلسطين دولة وعاصمتها القدس، لا سيما الدول الأوروبية. وعرج على تقرير اقتصادي حكومي يؤكد خسارة إسرائيل 20 مليار دولار جراء مقاطعة دولٍ أوروبية لبضائع المستوطنات. ثم اطلع على تقرير أمني آخر يبشره بأن إسرائيل حاليا ليست على رأس الأولويات السياسية لإدارة أوباما في ظل الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأزمة أوكرانيا والملف النووي الإيراني. فلا بد من استغلال الوضع الدولي القائم للتهرب من الاستحقاقات الدولية والمحلية.
لا بد وأن نتنياهو بدأ يستشعر أن عمره السياسي قد شارف على الانتهاء تحت وطأة العجز الاقتصادي ولا مبالاة إدارة أوباما والتهديدات الفلسطينية وإصراره على عدم التنازل في المفاوضات مع الفلسطينيين. لذلك لا بأس إن استطلع بالقوة في القدس، عبر استفزاز الفلسطينيين، بالمقدسات، وليس المسجد الأقصى وحده مقدساً عند الفلسطينيين. فسرّع عملية التهويد وشراء بيوت المقدسيين بطرق التفافية، وأطلق العنان لجنون المستوطنين المتطرفين في قطع أشجار الزيتون في موسم الحصاد وتعنيف الأطفال وقتلهم، كما حدث مع محمد أبو خضير وبهاء بدر، إضافة إلى رفع نسبة الاعتقالات في القدس والضفة.
حاول نتنياهو استباق المتشددين إلى المربع الخطير. ظهرت أمامه صورة رئيس الوزراء المعتزل إيهود باراك عام 2000، حين فشل في "كامب ديفيد" وتوقفت المفاوضات مع الراحل، ياسر عرفات، فقرر أرئيل شارون، عامداً متعمداً، مخططاً، زيارة المسجد الأقصى فاندلعت الانتفاضة المسلحة حينها. وبعدها هزم شارون باراك بالانتخابات الاستثنائية وأصبح رئيساً للوزراء عام 2001. هذه العملية ربما تتكرر مع نتنياهو والمتشددين خصوصاً مع زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، لذلك يريد قيادة الموجة التحريضية والإمساك بزمام الأمور على الأرض.
يدرك الفلسطينيون أن عسكرة المواجهات مع الاحتلال تساعد نتنياهو على الخروج من أزمته. فاستخدموا الحجارة وهو سلاحهم الأزلي في مواجهة الاحتلال. ويُعتبر رشق الحجارة هواية فلسطينية يتوارثها الفلسطينيون بالجينات، فأصدر الاحتلال قراراً بتغريم راشق الحجارة بأكثر من 500 شيقل مع إمكانية السجن لسنوات طويلة. لم تنفع قرارات الاحتلال كلها ومن ضمنها هدم منازل المتظاهرين، فاعتمد الشبان الألعاب النارية سلاحاً حارقاً مع زجاجات "المولوتوف"، مما دفع الاحتلال إلى بيع الألعاب النارية، لكنه أيضاً فشل. فتش الفلسطينيون في أرشيفهم، فوجدوا خليل أبو علبة، شاهداً على ابتكار فعال. فهو مؤسس عمليات "الدهس" عام 2001، في بلدة يازور شرق حيفا، وخلفت عمليته ثمانية قتلى و21 مصاباً، غالبيتهم من الجنود الإسرائيليين.
هذا التنظيم لم يربك الإسرائيليين فقط، إنما خلط أوراق الفصائل الفلسطينية، فراحت تتسابق لنعي هذا الشهيد وتتبنى تلك العملية، إلى درجة أن غالبية الفصائل اعتمدت في كشوفاتها، الشهيد عبد الرحمن الشلودي، الذي دهس مستوطنين قبل أسبوعين في القدس قبل أن تقتله شرطة الاحتلال.
لن تتوقف العمليات الفردية، فبعد الطعن، الدهس، والحجارة، والألعاب النارية، ستظهر أنواع أخرى في ردة الفعل الفلسطينية، فربما يجد المستوطنون غداً كنيساً أو محال تجارية قد شبت فيها الحرائق، أو بئر مياه قد دُس فيه السم. وستنتقل العمليات إلى المحظور وقتل سياسيين من الطرفين والاعتداء على أطفال المدارس، ويصبح أي مكان يجمع فلسطينيين ومستوطنين مكاناً للمواجهة، ومباراة كرة القدم الأخيرة بين "اتحاد أبناء سخنين" و"بيتار القدس" بداية لا أكثر. والأهم أنها ستتمدد إلى مناطق الخط الأخضر وقرى ومدن الضفة. هذا يبدو حتمياً في سيناريو "العين بالعين"، والمرجح أن تنتقل ردة الفعل إلى بلدان أوروبية وعالمية، عبر اشتباكات فردية أيضاً أو أعمال تستهدف السفارات والدبلوماسيين.

لبنان: عين الحلوة ينجو من سيناريو كارثي

زاهر أبو حمدة
2014-11-11 

لا يهتم فلسطينيو مخيم عين الحلوة، جنوب لبنان، بكل ما يجري في بلد يستضيفهم، ومرشّح للانفجار في أي وقت. أمور كثيرة تشغلهم عن الخطر الأمني، فما يحصل في القدس، حاليّاً وغزة سابقاً، له الأولويّة. لكنّ حديثهم لا ينقطع عن ظروف معيشتهم التي تصعب مع ارتفاع عدد سكان عين الحلوة إلى أكثر من 110 آلاف نسمة، بعدما لجأ فلسطينيو سورية إليهم.
جرت العادة في الآونة الأخيرة، أن يشتبك الجيش اللبناني مع مجموعات في مسلّحة في شمال البلاد، فتشتد الإجراءات الأمنيّة عند مداخل عين الحلوة. يمتدّ طابور السيارات أمتاراً طويلة. جنود يفتشون من يدخل ويخرج ذهاباً وإياباً عند المداخل الأربعة للمخيم، فيما يسارع ممثلو القوى الوطنيّة والإسلاميّة الفلسطينية إلى عقد اجتماعات، آخرها في مكتب حركة "فتح".
أكثر من 14 تنظيماً فلسطينيّاً كرروا تأكيد وحدة الصفّ، ودعم اللجنة الأمنيّة التي تضبط أمن المخيم ليكون عاملاً إيجابيّاً للجوار اللبناني. ولم يتأخّر وفد فلسطيني عن زيارة البلديات اللبنانية المجاورة للمخيم، لا سيّما المسيحيّة منها، مثل درب السيم والمية ومية لطمأنتهم ووضعهم في مجمل الأوضاع.
ونتيجة الظروف الراهنة، التي تتطلّب زيادة مراكز وحواجز القوة الأمنيّة في أرجاء المخيم، قرر المجتمعون زيادة عديد القوة من 225 عنصراً إلى 600.
إلى جانب اجتماع "فتح"، كان لافتاً اجتماع أكثر أهميّة، عُقد في أحد بيوت المخيم، خلال جولة الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، إذ التقى مسؤولو "جند الشام" و"فتح الإسلام"، وقادة مجموعات إسلاميّة في مقدّمهم الناشط الإسلامي بلال بدر. وانقسم المجتمعون حول نصرة المجموعات المسلحة في طرابلس عبر فتح جبهة مع الجيش اللبناني، لكن الاجتماع خرج بقرار حازم مفاده: "لا لتوريط المخيّم".
يعرف إسلاميو عين الحلوة أنّ أيّ رصاصة تُطلق على الجيش، سيرد الأخير عليها بقصف المخيم. فقد نصب مدفعيته الثقيلة فوق التلال المحيطة بالمخيم، خصوصاً في جزين، وجبل الحليب ومار الياس. كانت رسالة قيادة الجيش واضحة وحاسمة، ومع ذلك كان الاستنفار حاضراً للمجموعات الإسلاميّة.

ويؤكّد مسؤول فلسطيني لـ"العربي الجديد"، أنّ جهات داخل المخيم وخارجه تدخّلت في الوقت المناسب لعدم انفلات الوضع ومنع اشتباك أطراف إسلاميّة مع الجيش، وهي نفسها من تدخّلت لمنع أية مبايعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو "جبهة النصرة".

الأسير وشاكر
أثبتت التحقيقات اللبنانيّة، أن خلايا نائمة تتبع الشيخ السلفي المتواري عن الأنظار، أحمد الأسير، تعمل على توتير الأوضاع في مدينة صيدا، جنوب لبنان، التي تحتضن عين الحلوة. فأعيد فتح ملف الرجل الذي شكل ظاهرة قبل هروبه، إثر معركة عبرا في يونيو/حزيران 2013 وتتضارب المعطيات حول مكان وجوده. تشير جهات عدة إلى أنّ الأسير، لجأ إلى عين الحلوة ويختبئ في حي حطين داخل المخيم. لكنّ مصادر أخرى تؤكد لجوءه ومن ثم مغادرته عبر الطريق التي دخل منها، أي عبر الوسيط الذي سهّل هروبه أثناء المعركة، في إشارة إلى "الجماعة الإسلاميّة" في صيدا، التي تكفّلت بحلّ الأزمة حينها ونقل الأسير، من مكان إقامته في مسجد بلال بن رباح، ولم يُعرف حينها أين كانت وجهته.
وإذا كان وجود الأسير، غير مؤكّد في عين الحلوة، لكنّ إقامة الفنان المعتزل، فضل شاكر، باتت أكيدة، وفق ما يوضحه نائب قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني، اللواء منير المقدح، من دون أن يستبعد أن يكون الأسير "ربما دخل إلى المخيّم". ويوضح المقدح أنّ شاكر "يحاول تسوية أوضاعه الأمنيّة مع الجهات الحكوميّة، لكنّه لم يفلح في ذلك حتّى الآن". وكان شاكر قد لجأ إلى حي التعمير المحاذي للمخيم، حيث منزل أهله الأساسي، ومن ثمّ تسلّل إلى داخل عين الحلوة مع مجموعة من مرافقيه، وأعلن انفصاله التامّ عن الأسير.
مصالحة الميّة وميّة
يجاور عين الحلوة مخيم الميّة وميّة، حيث جرت أخيراً مصالحة بين حركة "أنصار الله" بزعامة جمال سيلمان، المقرّب من "حزب الله" وعائلة عدوان. توافق الطرفان بعد تدخّل القوى الإسلاميّة والوطنيّة في عين الحلوة، على خلفيّة إعدام عناصر سليمان، في يونيو/حزيران الماضي، قائد "كتائب العودة"، أحمد عدوان، الملقّب بـ"الرشيد"، وشقيقيه وأربعة من مرافقيه. وقيل حينها إنّ الاشتباك وقع بعد اتهام سليمان للرشيد، بقربه من القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان، لكن الأخير نفى أية علاقة له بـ"كتائب العودة".
بعد الحادثة، تمكّن "أنصار الله" من الاستيلاء على مكاتب وعقارات الرشيد. لكن عائلته رفعت دعاوى أمام القضاء اللبناني ضد 32 شخصاً مرتبطين بسليمان. ويبدو أن الدعاوى أثرت على صفوف "أنصار الله" من ناحية التنقل بعد أن أصبحوا ملاحقين من الأمن اللبناني. فضغط سليمان لحلّ القضية، وتشكّلت لجنة من القوى الفلسطينيّة توصّلت إلى إقناع عائلة الرشيد، بإسقاط الدعاوى عن المتهمين مقابل إعادة الأملاك، وعدم التعرض لمن تبقّى من العائلة في المخيم ودفع "الدية". ومع أن الأمور القانونية تمّ إسقاطها، لكن الأمور معقّدة، لجهّة أنّ "الحقّ العام" لم تسقطه الدولة اللبنانيّة، وعليه تبقى الملاحقة الأمنيّة قائمة لعناصر "أنصار الله".

خطة عباس: حين يصبح الرئيس بلا سلطة

زاهر أبو حمدة

2014-10-06 

يجتهد قادة إسرائيل في تكذيب 28 دقيقة ألقى خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خطاباً "مهيناً" بالمعايير الإسرائيلية والأميركية في الأمم المتحدة. لم يكن بيان عباس إعلاناً لوفاة المفاوضات التي يُنظر لها منذ أكثر من 40 عاماً (في 1974 دعا الرئيس الراحل ياسر عرفات، إلى السلام للمرة الأولى خلال خطابه في الأمم المتحدة)، بل كان تحذيراً منمقاً ليخرج من "دوامة" المفاوضات.
يعمل عباس، ومستشاروه هذه الأيام، على خطة اعتبرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية "خطيرة". تعرف الولايات المتحدة تفاصيلها باعتراف سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة سامنتا باور، فاستبقتها بـ"فيتو" مؤجل.
تعطي خطة عباس فترة أربعة شهور للأميركيين يتخللها ترسيم حدود الدولة الفلسطينية وتأمين الاعتراف الإسرائيلي بها. مدة طويلة في حساب الزمن، فالخرائط موجودة والجزئيات معروفة ولا تحتاج لهذه الفترة. وإن كانت هذه الفترة مخصصة لرسم الحدود، فهذا يعني أن فترة قضايا الحل النهائي المتبقية ستطول كثيراً. ووفقاً لواضعي الخطة، إذا قبل الطرفان بترسيم الحدود، تبدأ مفاوضات فورية تحت سقف زمني ويطلب فيها من إسرائيل عرض خريطة تحمل حدودها. أما إذا رفض الأمر أو فشل، وهذا هو المرجح، فإن القيادة الفلسطينية ستذهب عبر غطاء عربي إلى مجلس الأمن لطلب إجلاء إسرائيل عن "أرض فلسطين" خلال فترة محددة زمنياً. فإذا أحبط المشروع، سيقدم عباس على الخطوة الأخيرة، وهي الانضمام إلى جميع المنظمات الأممية ومن ضمنها محكمة الجنايات الدولية.
يتمم أبو مازن عامه الثمانين بعد خمسة أشهر، وخطته إن نفذت كما خطط لها، فهي بحاجة لثلاثة أعوام. لم يعد يملك المزيد من الوقت ليكون أول رئيس لدولة فلسطينية يعترف بها العدو والصديق. قالها أمام جمهوره يوماً، إنه لن يختم حياته "خائناً". يحاول إبراز أوراق قوته، ويعرف ما الذي يؤذي إسرائيل فعليا: الورقة القانونية والملف الأمني.
يتعهد قائد "فتح" بمحاكمة إسرائيل بعد انضمامه لمحكمة الجنايات الدولية، إن لم تعترف بدولته المستقلة. ويهدد بحل السلطة وإيقاف التنسيق الأمني. هذان الخياران مصدر قوة، لذلك اتفق مع حركة "الجهاد الإسلامي" على ألا توقع على الورقة التي طلبها للتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، بحسب مسؤول فلسطيني، في حين وافقت "حماس" وبقية الفصائل. يريد من ذلك أن يضمن حجة أمام الشارع الفلسطيني حين يطالبه بمحاكمة قادة إسرائيل، والضامن بالنسبة لحركة "الجهاد الإسلامي" أنها ما زالت تدرس عواقب ذلك، خصوصاً أن المحكمة ربما توجه اتهامات أيضاً للمقاومة الفلسطينية.
أما حول الملف الأمني الذي يديره عباس، باعتباره من صلاحياته الرئاسية، فيبدو أن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال هو الرصاصة الأخيرة التي سيطلقها على جثة التفاوض. وكانت الإشارة واضحة باغتيال المتهمين بأسر وقتل المستوطنين الثلاثة، عامر أبو عيشة ومروان القواسمي في الخليل بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أي قبل خطاب عباس بيومين، وهو الخطاب الذي خصصه للتنسيق الأمني. تقول مصادر فلسطينية، إن اغتيال الناشطين ما كان ليتم لولا تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية للسلطة ونظيرتها الإسرائيلية.
وتبقى الضربة القاصمة لبنيامين نتنياهو، أي حل السلطة. في هذه الحالة، ستصبح الضفة وغزة وشرق القدس تحت الاحتلال إدارياً وعملياً، ويستطيع عباس بالتالي أن يطالب بحماية دولية. مثل هذه الخطوة لا يتحملها الإسرائيليون ومعهم الإدارة الأميركية. ويصبح أبو مازن من دون كرسي في المقاطعة. لذلك، سيعمل الجميع على تدوير الزوايا وإيجاد مخرج للركود التفاوضي، علماً أن ملف التسوية لم يعد من أولويات واشنطن حالياً، في ظل قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واستمرار الأزمة الأوكرانية.
تشير تصريحات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى أنهما مستعدان للمفاوضات. إسرائيل بحاجة إلى استئناف المباحثات أكثر من السلطة لكسر عزلتها الدولية ومحاولة تجميد حملة المقاطعة الأوروبية لبضائع المستوطنات. والقيادة الفلسطينية ترى في المفاوضات إمكانية لتسهيل إعادة إعمار غزة وتثبيت حكومة رامي الحمد الله، التي من المحتمل أن يُجرى عليها تعديل بعد عيد الأضحى. يضاف إلى ذلك، الضغط العربي والخشية من قطع المعونات الأميركية للسلطة وفرض عقوبات إسرائيلية.
يحاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إيجاد إطار جديد لبدء المفاوضات خلال شهرين، لكن هذه المرة بمشاركة دول أخرى في المنطقة. تفيد القناة الإسرائيلية العاشرة أن الدول المحتمل مشاركتها في المفاوضات هي مصر، السعودية، والامارات، وربما قطر على الرغم من احتضانها المقاومة.
لا يزال الرئيس عبد الفتاح السيسي، ينتظر "الهدية" من إسرائيل كما قال قبل فترة، وهي دولة فلسطينية. وقد كرر الكلام عن مسألة الحل الشامل قبل وخلال العدوان الأخير على غزة أكثر من مرة. وما كان عباس ليقدم مسودة اقتراح إنهاء الاحتلال إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لولا موافقة السيسي، الذي التقاه قبل مغادرته إلى نيويورك.
تنقل صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة أن مسودة الاقتراح الفلسطيني، تدعو إلى إنهاء الاحتلال وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وتطالب المسودة من الأمم المتحدة الإعلان عن القدس كعاصمة لدولتين وحل قضية اللاجئين. بكل الأحوال، إن بقيت مسودة أو تحولت إلى مشروع قرار، فستصطدم بـ"الفيتو" الأميركي.

ثمة تجاذب في الآراء وشد حبال دبلوماسية بين نتنياهو وعباس. يحاول الرجلان كسب المعارضة الداخلية في الشارعين الإسرائيلي والفلسطيني. في تل أبيب قناعة أكيدة بأن المماطلة والتسويف وجلسات التفاوض التي لا تنتهي ستبقى معتمدة. أما الطرف الفلسطيني، فسيجرب المجرَّب، أي التفاوض، إلى حين تنفيذ خطوات وفرض خطته التي وافقت عليها "حماس"، ما يعطيه قوة "الكل" الفلسطيني، لكن إن نفذها فسيصبح رئيساً بلا سلطة.

فلسطين آخر الهموم في عقيدة "داعش"

زاهر أبو حمدة
2014-09-11 

داس عناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) علم فلسطين، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. ويظهر الفيديو أنهم سوريون بحسب لهجتهم، لكن لماذا اختاروا علم "الوطنية" الفلسطيني فقط؟ أليس العلم السوري، مثلاً، يدل على الوطنية، ويرفض "الخلافة" المنشودة عندهم؟ ليس من باب الصدفة أن يداس علم من يقتلهم الإسرائيليون، باعتباره رمزاً لـ"الوطنية" في نظرهم.
ربما لا يعرف "الداعشيون" أن الرسول محمد "ص"، كان لجيشه رايات ملونة، يجمعها العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة، بعيداً عن "راية التوحيد". وكذلك كان لكل قبيلة عربية قبل الإسلام راية خاصة بها.
وخلال العدوان الأخير، كان مسيحيو غزة يستقبلون المسلمين الفلسطينيين في كنائسهم، وللمفارقة أقام الغزيون صلاتهم في كنائس "النصارى". ووجه رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية، الأب مانويل مسلم، رداً على استهداف طائرات إسرائيل المساجد في قطاع غزة رسالة إلى المسلمين قائلاً: "إذا هدموا مساجدكم أرفعوا الآذان من كنائسنا".
في المقابل، كان "داعش" يهجر مسيحيي العراق من الموصل، ويفجر كنائسهم. لكنه نسي أو تناسى أن في الموصل والمناطق التي يسيطر عليها في سورية يوجد فيها أكثر من كنيس يهودي. أليس اليهود أشد عدواة أيضاً للذين آمنوا كما جاء في المصحف؟ أو أن منظري "داعش" لم يسمعوا بحاخام اليهود الشرقيين، الراحل عوفاديا يوسف، ذي الأصول العراقية، أو بوزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، بنيامين ين أليعازر، عراقي الأصل؛ والرجلان مسؤولان عن مقتل آلاف الفلسطينيين المسلمين.
يبتعد "داعش" عن فلسطين، لكنّ طيفه كان حاضراً منذ بدء العدوان الأخير. سُرب بيان يفيد بتبني التنظيم خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في 12 يونيو/حزيران الماضي. وبعد ذلك نُشر فيديو كاذب عن أن "داعش" يطلق صواريخ من غزة على المستوطنات. بعدها، يتم اكتشاف أن جهاز "الشاباك" الإسرائيلي كان وراء تلك الفبركات لأسباب اتضحت خلال أيام العدوان وبعده، حين أصبحت نغمة مماثلة حركة "حماس" بـ"داعش" المعزوفة المفضلة لدى بنيامين نتنياهو. وساوى وزير الداخلية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بين قائد كتائب "القسام"، محمد الضيف، وزعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن "الضيف مثل بن لادن، وهو هدف مشروع، وعندما تسنح الفرصة يجب استغلالها لتصفيته".
لم تفلح المحاولات الإسرائيلية لتهيئة رأي عام عالمي ضد "حماس" كما فعلت الولايات المتحدة ضد "داعش". ربما ذبح الصحافيين الأميركيين جيمس فولي، وستيفن سوتلوف، ساعد الإدارة الأميركية في إقناع جمهورها والعالم بحربها ضد "الإرهاب". ومع أن الصحافي الأخير كان يحمل الجنسية الإسرائيلية إضافة إلى الأميركية، كانت تصفيته رسالة للولايات المتحدة وليس لإسرائيل، وخصوصاً أنه لم يعُرف إن كان ذابحوه يعرفون تفاصيل ازدواج جنسيته.
لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تتلقف المشروع الإسرائيلي، لذلك شدد مقاتلوها وقادتها على قتل الجنود الإسرائيليين وتفادي استهداف المدنيين قدر المستطاع. وهذا ما شدد عليه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل، حين أكد أكثر من مرّة على "اعتدال المقاومة وتعميم تجربتها".

وفي ظل حديث قادة المقاومة عن قرب تحرير المسجد الأقصى، يبدو أن القدس تبتعد عن أجندة "داعش" حالياً.
يتحدث وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان بثقة للقناة "العاشرة" العبرية، أن "(داعش) لا يشكل تهديداً عسكرياً فورياً على إسرائيل". ربما قرأ خصم نتنياهو، خطوات التنظيم منذ التأسيس حتى "تحرير ديار المسلمين". فبحسب مراحل "تحرير كل العالم" بالنسبة لـ"داعش"، يأتي ترتيب "تحرير بيت المقدس" في المرتبة السادسة. ويسبق ذلك، وفقاً لأدبيات التنظيم، مرحلة "الشوكة والنكاية وإثارة الفوضى"، ومن ثم "إدارة التوحش"، ويلحقها مرحلة "دولة الخلافة"، وبعدها "تحرير الدول المجاورة وتوسيع مساحة الدولة"، ويتبعها "تحرير الدول الإسلامية". أما المرحلة السابعة فهي "تحرير سمرقند والأندلس"، وينتهي "تحرير كل العالم" في المرحلة الثامنة والأخيرة.
لكنّ المفاجئ كان أن أرض فلسطين أصبحت "أرض نصرة" بالنسبة لـ"داعش"، إذ أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن عشرة من فلسطينيي 48 التحقوا بالتنظيم للقتال في سورية والعراق، أخيراً، ليرتفع العدد إلى 25 منذ العام 2011، بدلاً من "الجهاد" في أرض بيت المقدس وأكنافها القريبة.
وما زاد بُعد "داعش" عن فلسطين، عدم ذكرها في خطاب التنصيب لـ"الخليفة إبراهيم"، في يوليو/تموز الماضي، وخصوصاً أن القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. لكنّ زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، يُكثر من الحديث عما يجري في فلسطين خلال خطاباته، ويركز على مصطلح "المقاومة" و"ضرورة إقامة دولة إسلامية" في فلسطين. وهنا يظهر أن القضية المركزية تختلف بين "القاعدة الأم" والمنشق عنها.
كما يلاحظ أن خطاب "دولة الخلافة"، جعل من أولوياته إقامة الخلافة وقتال "المرتدين" ومن ثم تحرير فلسطين. ويؤكد التنظيم أن "الله في القرآن الكريم لم يأمرنا بقتال إسرائيل أو اليهود حتى نقاتل المرتدين والمنافقين".

هذا يعني أن "داعش" سيقتل غالبية المسلمين "المرتدين" بنظره، ومن ضمنهم "الروافض" و"النواصب"، قبل أن يفكر بقتال إسرائيل. وهو يعمل على قاعدة ان "مقاتلة العدو القريب مقدم على مقاتلة العدو البعيد". ولذلك لم يشتبك مع إسرائيل ولم يتقدم نحو حدودها، مع أن من يقطع تلك الأميال الكثيرة ويسيطر على الأراضي الشاسعة يمكنه أن يحاول في الجولان مثلاً.

سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة: فخر الصناعة المحلية

زاهر أبو حمدة
2014-08-30

فاز الغزاوي، شاكر يونس، خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، بالمركز الأول في مسابقة "نت رايدرز"، التي نظمتها أكاديمية "سيسكو". وليس غريباً فوز الشاب الفلسطيني بأهم جوائز تكنولوجيا المعلومات في المنطقة، فنسبة الأمية في غزة، تحديداً، هي من بين الأدنى عالمياً بحسب "اليونيسكو". يقول يونس إن امتحان المسابقة يجري من دون أستاذ، والمتقدم يجب أن يجيب على الأسئلة والاختبارات إلكترونياً، فكان المعوق الأساسي هو انقطاع التيار الكهربائي. فكيف لو كان هذا الطالب في دولة متقدمة؟
سبق إنجاز يونس اختراعات مسجلة عالمياً، كاختراع سيارة وقودها الماء أو الطاقة الشمسية، أدوية طبية حديثة، وبدائل لتصنيع البنزين والسولار وإنتاج الكهرباء وتكرير المياه.
وانطلاقاً من إبداعات يونس، مثلاً، وأمثاله كثيرون في القطاع المحاصر، يصبح من السهل استيعاب قدرة المقاومين على صناعة الأسلحة وتطويرها. وقد عرضت قنوات محلية وفضائية عملية تصنيع الصواريخ، قبل وخلال العدوان الأخير، واستطاعت المقاومة إطلاق أكثر من 4500 صاروخ، أسقطت "القبة الحديدية" 750 صاروخاً منهم فقط، بحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت". عرض "الكابنيت"، (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر)، خلال اجتماعاته الأولى أثناء العدوان، تساؤلاً لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، حول كيفية تطوير المقاومة قدراتها، وخصوصاً أن قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، مغربي الأصل، سامي ترجمان، حذر قيادته من أن قدرات المقاومة تقدمت، وشدد على الصواريخ والأنفاق، ودعا إلى عملية ضد غزة مطلع العام الجاري.
وضع كوخافي، سيناريوهات كثيرة لتفكيك قدرة المقاومة، لكن صاروخاً غزاوياً، كاد يقتله في أشكول، في 30 يوليو/تموز الماضي. لم يقتنع رئيس الأركان، بني غانتس، ووزير الأمن، موشيه يعالون، بنظريات كوخافي، فكلها تؤدي إلى الغوص أكثر في وحل غزة.
استطاع كوخافي الإفلات من الإقالة، بعد أن تمكن جهازه من معرفة مكان قائد "القسام"، محمد الضيف، لكن مخطط الاغتيال فشل. وعوّض عن ذلك باغتيال قادة "القسام" الثلاثة. ولأن إسرائيل تعرف قيمة الثلاثي، تباهت بنصرٍ ولو مؤقت. وتعود قيمة القادة الشهداء (محمد أبو شمالة، محمد برهوم، رائد العطار)، إلى عملية رفح، التي فُقد فيها الضابط، هدار غولدن، وإمداد المقاومين بالسلاح والتدريب. لقد تمكن الرفقاء الثلاثة، ومعهم أعضاء في المجلس العسكري لـ"القسام"، خلال سنوات مضت، من تأسيس جيش يتألف من 55 الف مقاتل مدربين ومجهزين بأسلحة غير تقليدية. هكذا كان "الصيد الثمين" لإسرائيل، رائد العطار، فهو المسؤول عن التذخير في الكتائب، ومسؤول عن التمويل العسكري، ويُحكى أنه تسلم الملف بعد اغتيال محمود المبحوح، في دبي، عام 2010.
ويقول مطلعون على الملف، إن العطار سار في شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، أكثر مما جرى على كورنيش غزة. كان "حزب الله" اللبناني، مصدراً مهماً للسلاح. لكن في الآونة الأخيرة، قبل العدوان، لم يكن دعم الحزب بالمستوى المطلوب، لذلك استطاعت المقاومة أن تجد أساليب أكثر أمناً، وهي التصنيع المحلي، مع الاعتماد على أسلحة مستوردة من ليبيا والسودان. كانت فترة الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، ذهبية بالنسبة إلى "حماس"، فقد عبرت الأسلحة المتطورة بغزارة، وخصوصاً صواريخ "غراد"، "كورنيت"، وصواريخ مضادة للطائرات. أما الأهمية في تلك الفترة، فكانت إدخال تقنية حفر الأنفاق المستوردة من كوريا الشمالية، ومواد تصنيع الصواريخ والعبوات الناسفة، كما يقول مصدر فلسطيني.
اعتمدت المقاومة في تسليحها، على جهد ذاتي، فغالبية المقاتلين وصانعي الصواريخ خريجون جدد من جامعات غزة، وتتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، بحسب مسؤول العلاقات الدولية في "حماس"، أسامة حمدان.
لم تكن المهمة سهلة، خصوصاً في عملية تطوير الصواريخ، التي وصلت إلى حيفا، التي تبعد 160 كيلومتراً، لكن عملية التطوير اقتصرت على مدى الصاروخ، وليس كتلته التفجيرية.
بدأت عملية التصنيع في الثورة الفلسطينية المعاصرة مع اللجنة العلمية لحركة "فتح"، واستطاعت أن تخترع وتطور أسلحة فردية ومتوسطة كثيرة، منها الصواريخ. أما حركة "حماس"، فقد بدأت عملية التصنيع مع مؤسس "القسام"، صلاح شحادة (اغتيل عام 2002)، ويعتبر "المهندس" يحيى عياش (اغتيل عام 1996) نموذجاً في هذا الميدان. ويعود الفضل لتطوير التصنيع المحلي إلى عدنان الغول (اغتيل عام 2004)، وسعد العربيد (اغتيل عام 2004). لكن من أدخل التكنولوجيا الحديثة إلى عمليات التصنيع، كان رئيس أركان "حماس"، مروان عيسى، وقد عُين بدلاً لأحمد الجعبري، الذي استشهد عام 2012.
ويرجع تطوير "سلاح الجو الفلسطيني"، إلى مهندسين في الكتائب، صنعواً طائرة "سجيل"، وهي عبارة عن تصنيع محلي بالكامل. أما طائرة الاستطلاع من دون طيار،"أبابيل"، فهي صناعة إيرانية، وتجميع فلسطيني، وقد جربها العطار شخصياً في لبنان، وتحديداً في النفق التابع لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة" في الناعمة، جنوبي بيروت، وفي البقاع شرقي لبنان.
هي رحلة طويلة من التعب والسهر، بدأت بصاروخ "القسام" ووصلت إلى "R160"، ربما تتعدى ذلك في الوقت القريب، وهذا ما جعل إسرائيل تشدد على نزع سلاح المقاومة خلال العدوان.
تطور أداء المقاومة وسلاحها خلال العدوان
ــ الصواريخ: بدأت بتصنيع "قسام 1"، وتم تطويره ليصل الى أكثر من 160 كيلومتراً، وأطلق عليها أسماء بعض القادة الذين اغتالتهم اسرائيل كـ"أم75" على اسم الشهيد إبراهيم المقادمة و"جي80" نسبة إلى القائد أحمد الجعبري، و "آر 160" نسبة إلى عبد العزيز الرنتيسي. ونجحت سرايا القدس في تطوير الصواريخ، فكان لدى السرايا، "سجيل"، "براق 75"، و"فجر".
ــ القذائف الصاروخية: صنعت المقاومة قذائف صاروخية تشبه "الآر بي جي" وأسمتها قاذف "الياسين"، إضافة إلى "البتار".
ــ العبوات الناسفة: تم تصنيع عبوة ناسفة شديدة الانفجار وذات فعالية عالية في تفجير الحصون والأبراج، وكذلك الدبابات والجرافات الإسرائيلية، وقد أطلق عليها اسم "شواظ".
ــ الكورنيت: سلاح روسي مضاد للمدرعات، والذي يمكنه ضرب الطائرات ذات العلو المنخفض، وخصوصاً الطائرات المروحية، وقد استعملته كتائب "القسام" و"سرايا القدس" في تدمير عدة دبابات وآليات إسرائيلية، اقتربت من الحدود مع القطاع.
ــ "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، أعلنت عن صاروخ "مالوتكا"، من صنع روسي. هذا الصاروخ هو مضاد للدروع من الجيل الأول، مخصّص للرمي على الأهداف المدرعة والعربات والتحصينات. يوجّه بواسطة سلك أثناء الطيران، ويعرف بالصاروخ "ساغر" أو "AT3" يصل مداه الأقصى إلى 3000 متر والمدى الأدنى الفعال للرمي 500 متر.
ــ استطاعت المقاومة تصنيع مواد شديدة التفجير أبرزها "قسام 19" وهي قريبة من الـ"tnt" وصنعت الألغام، إضافة إلى قنابل يدوية.
ــ تمكنت المقاومة من الحصول على مضاد الطائرات المحمول على الكتف من نوع "سام"، بالإضافة إلى أسلحة أخرى مضادة للطائرات يخشى الاحتلال من أن يكون لديها "كوبرا" و"ستينغر". وقد اعترف مسؤول في سلاح الجو الإسرائيلي، للإذاعة الإسرائيلية، بأن الطائرات المروحية والحربية تعرضت لعدد هائل من الصواريخ المحمولة على الكتف.
ــ منظومة "فونيكس" الأميركية: هي منظومة للدفاع الجوي، أميركية الصنع، لا يمكن لكتائب "القسام" الحصول عليها من صفقات السلاح، لأنها غير متوفرة إلا في الدول الكبيرة. طورت كوريا الشمالية "فونيكس" من منظومة "الفاغوت"، وهو صاروخ جديد، ظهر خلال عروض كوريا الشمالية العسكرية، ويعتمد على مولد للغاز لدفع الصاروخ، وقادر على اختراق نحو 460 مليمتراً من الدروع الفولاذية اعتماداً على الهدف، وأهم ما يميز هذه المنظومة هو أداة التهديف البصرية التي تعتمد على الليزر.
ــ "الكومندوز" البحري: تمكنت من الوصول إلى حدود عسقلان واقتحام موقع زيكيم العسكري أكثر من مرة، والاشتباك مع القوات الإسرائيلية. وأوقعت قتلى وجرحى، ويحتمل أن يكون لدى المقاومة صواريخ مضادة للسفن والزوارق البحرية.
ــ طائرات "أبابيل": تسيير طائرات من دون طيار من انتاج مهندسي المقاومة لتصل إلى مدينة تل ابيب ولعدة طلعات في مهمات مختلفة، فكانت على ثلاثة طرازات، منها استطلاعية، وهجومية، وانتحارية. وما أزعج اسرائيل ان "القسام" بثت الصور التي سجلتها الطائرة من دون أن يلتقطها الرادار الإسرائيلي.
ــ قناص "الغول": كشفت "القسام" في تسجيل مصور عن إنتاجها لبندقية قنص "غول"، عيار 14.5 مليمتر من إنتاج الصناعات "القسامية"، ونسبت الكتائب اسم البندقية إلى قائدها الشهيد، عدنان الغول، وهي ذات مدى قاتل 2 كيلومتر. 
ــ حرب "السايبر": تمكنت من اختراق حسابات لقادة الجيش الاسرائيلي، والسيطرة على مواقع الكترونية اسرائيلية مهمة، إضافة إلى إرسال رسائل إلى هواتف عشرات الآلاف من الجنود، لتنجح المقاومة في اختراق بث أهم القنوات الفضائية الاسرائيلية كالقناة "الثانية" والقناة "العاشرة" لعدة مرات.
ــ الأنفاق: يعتبر حفر الانفاق في تربة رملية مهمة صعبة وشاقة، لكن المقاومة استطاعت ذلك بتهريب السلاح والمواد الغذائية وحتى عبر أسر الجنود.
تؤكد المقاومة أنها لم تستخدم كل مفاجآتها خلال العدوان، ويقول القيادي في حركة "حماس"، صلاح البردويل، إن حركته "لم تستخدم سوى مستوى محدود من قوتها".

لبنان: هل يظهر "أبو محجن" في عين الحلوة؟

زاهر أبو حمدة
2014-08-29 

يترقب فلسطينيو مخيم عين الحلوة، جنوبي لبنان، كل يوم جمعة، ظهور أمير "عصبة الأنصار" الإسلامية، أحمد عبد الكريم السعدي (أبو محجن)، ليلقي الخطبة في مسجد الشهداء في منطقة الصفصاف (أحد معاقل العصبة). ويعتبر منبر المسجد ذا رمزية كبيرة، وخصوصاً أن سلفه، مؤسس العصبة، الشيخ هشام شريدي (اغتالته عناصر من حركة "فتح" عام 1991) لم يخطب إلا فيه. مر أكثر أسبوع على نشر صورة "الشيخ" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يظهر إلى الآن. ويبدو أنه لن يظهر قريباً.
وصلت الرسالة الأولى إلى أنصار المتواري عن الأنظار، الشيخ أحمد الأسير، الذين كانوا ينوون تنظيم تظاهرة ضد حواجز الجيش اللبناني في محيط المخيم، مسانِدة لمسلحي عرسال بداية الشهر الجاري. وكان السيناريو، بحسب مصادر فلسطينية، أن تنظم تظاهرات ولو بأعداد قليلة، وتتحول إلى احتكاك، فاشتباك مسلح. واعتُبرت مصائب غزة فوائد في عين الحلوة، فكانت حجة منع التظاهرات أن القطاع المحاصر أولى بدعمه عن عرسال. وتوقفت التظاهرات قبل أن تبدأ، فنجا المخيم.
أما الرسالة الثانية، فكانت شديدة اللهجة لمن يحيد عن صف القوى الإسلامية في المخيم. فقد تباينت الآراء الفقهية والشرعية للناشطين الإسلاميين، وانقسم أصحاب المدرسة الواحدة حول "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
يُعرف عن أبو محجن، صرامته وحزمه. لا يعرف الحلول الوسطى في غالبية الأمور. وبقي وهجه موجوداً في المخيم رغم غيابه عن الساحة لأكثر من 18 عاماً، مع أن مصادر إسلامية تؤكد أنه لم يغب إطلاقاً عن عين الحلوة سوى لفترات بسيطة، ذهب خلالها إلى العراق بين عامي 2003 و2005 لمحاربة الأميركيين وتدريب "مجاهدين" هناك.
نظرية بقائه في المخيم متوارياً عن الأنظار هي الأقرب إلى الصواب، وخصوصاً أن عدد أبنائه أصبح سبعة، بعدما كان خمسة حين صدر حكم غيابي بحقه عام 1996. وفي موضوع أبناء الشيخ، رسالة أخرى. فقبل فترة، خرج ابنه إبراهيم من سجون النظام السوري، بعدما أمضى خمسة أعوام فيها. وكان الأمن السوري قد اعتقل إبراهيم وهو في طريقه إلى العراق. عاد الابن إلى عائلته، ففُسرت هذه الخطوة على أنها "هدية" من "حزب الله" إلى العصبة، إذ يؤكد العارفون أن الحزب هو من توسط عند النظام السوري، ليأخذ مقابلها مكاسب ميدانية وسياسية في صيدا وجوارها.
إذاً كانت الصورة عبارة عن جسّ نبض للمخيم وجواره، بانتظار التطورات المتسارعة. لكن كيف لصورة فوتوغرافية، أن تثير هذه الضجة، فماذا لو ظهر شخصياً؟.

احتمالات الانتفاضة المسلحة في الضفّة: البحث عن "الفدائي الأول"

زاهر أبو حمدة

2014-07-26 

ابتكر المتظاهرون في مدن وقرى الضفة الغربية، الألعاب النارية وأشعة الليزر الخضراء في التصدي لاعتداءات الاحتلال على مسيراتهم. ربما كانوا يفضلون استخدام الأسلحة النارية بدل الألعاب، كما فعل ملثمون من مخيم قلنديا أخيراً، أو في حوارة أو أي مكان قريب من مخيم للاجئين الفلسطينيين. وبما أن السلاح "زينة الرجال" في مفهوم الثوار، ظهر من يودون الثأر في تشييع جثامين الشهداء. لم يكن السلاح الخفيف في أيديهم وهم يطلقون النار في الهواء، صدفةً. فقد سمحت أجهزة الأمن الفلسطينية لهم بذلك أو خافت أن تمنعه، وخصوصاً أن الشعب لديه شحنات قتالية كافية، وغالبية المسلحين يقطنون المخيمات التي عجز الاحتلال والسلطة عن "تنظيفها" تماماً من الأسلحة. ومن يحملون السلاح، حالياً، ينتمون الى"أم الجماهير" وذراعها العسكرية المفككة "كتائب شهداء الأقصى". وكان الأمن الفلسطيني قد اعتقل قادتها، ومنهم من أضرب عن الطعام في "سجون رام الله" مثل قائد "الكتائب" في جنين مراد طوالبة.
ثمة غضب يصل إلى حد التمرد داخل البنية التنظيمية لحركة "فتح" وصل إلى المجلس الثوري (يمثل اللجنة التشريعية في الحركة) واللجنة المركزية (تمثل اللجنة التنفيذية للحركة وأعلى مرتبة في السلم التنظيمي). مجموعة لا بأس بها داخل قيادة "فتح" ملّت المفاوضات، وتنادي بالمقاومة المسلحة. انعكس ذلك على القاعدة الجماهيرية للحركة، وخصوصاً أن قياديين معروفين ظهروا على الفضائيات أخيراً، يدعمون حمل السلاح في مواجهة المستوطنين، ويؤكدون أن حركتهم تقاتل في غزة.
بث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أخيراً، فيديو ثلاثة أشخاص يقولون، إنهم من "كتائب شهداء الأقصى" يعلنون النفير العام. وتبنت الكتائب نشاطات عسكرية كثيرة خلال الأسبوعين الأخيرين، كإطلاق النار ضد جنود الاحتلال في قلنديا والخليل ونابلس ووضع عبوة ناسفة قرب مستوطنة معاليه اودميم. في المقابل، لم تتبلور بعد عسكرة الانتفاضة بشكل واضح، لكن بوادرها هي الواضحة، وخصوصاً أن الاحتلال أعلن اكتشافه زورقاً صغيراً محملاً بالأسلحة الخفيفة يعبر البحر الميت في الأردن، من الضفة الشرقية الى الغربية.
ما يزيد من اقتراب عسكرة الانتفاضة، إن استمرت الأحداث على وتيرتها الحالية، هو ظهور الملثمين بالكوفية السمراء والعصبات الصفراء، لأن من سيقود الاشتباكات وينفذ العمليات سيكون من "فتح" عملياً. ويعود ذلك لأن كوادر "حماس" والجهاد الإسلامي" أسرى في سجون الاحتلال، ولم يسمح لرعيل ما بعد الانتفاضة الثانية من خوض التجربة.
في المقابل، أبناء "فتح" العسكريون أو من تبقى منهم خارج الزنازين الإسرائيلية، يملكون أسلحة فردية ولديهم فرصة المناورة في بعض المناطق. وقد تم تفسير خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأخير، على أنه ضوء أخضر لإشعال انتفاضة ثالثة، بعدما أشار إلى آية قرآنية تحث على القتال. لكنه لم يشرح طبيعة القتال، إن كان سياسياً أو عسكرياً بالحجارة أم الرصاص. لكن البيان الأخير لمنظمة التحرير، أكد استمرار هبة الجماهير الفلسطينية عبر التحركات الشعبية السلمية.
يضاف إلى ذلك، أن عباس أمر أجهزته الأمنية بإفساح المجال للمتظاهرين الغاضبين بالوصول إلى حواجز الاحتلال. ووجه أمراً تنظيمياً لكوادر "فتح" بالمشاركة في التظاهرات وقيادتها. ومع ذلك لا تزال الانتفاضة تبحث عن قائد.
خلال "انتفاضة الأقصى" التي اندلعت عام 2000، كان لها قائد موجِّه وقادة ميدانيون، بعكس الآن. فالرئيس الراحل ياسر عرفات، دعم الانتفاضة عسكرياً ومادياً، وتسلمت الدفة كوادر ميدانية، من أبرزها مروان البرغوثي، وثابت ثابت، ورائد الكرمي، وحسين الشيخ، وآخرون. الأول أصبح أسيراً، الثاني والثالث تم اغتيالهما، أما الرابع فتمّ "تدجينه" عبر توزيره. وكان قادة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية يسهلون عمل المقاومة ونقل الأسلحة، في مقدمهم اللواء، فؤاد الشوبكي (أسير حالياً)، ويقودون معارك حقيقية ضد الاحتلال، مثل الضابط أبو جندل، الذي قاد معركة مخيم جنين عام 2002.
تحتاج "فتح" لقيادة انتفاضة الضفة، قراراً حركياً من عباس. وإن كان قد بدل خطابه من "لا انتفاضة في عهدي" إلى "لن ننسى ولن نغفر"، يبقى الشارع هو الحكم. والشارع نفسه هو من فرض على قيادته تغيير موقفها، فحالة الاحتقان الكبيرة ستولد انفجاراً. واختار الرئيس "ركوب الموجة"، وتنقصه اليوم قيادتها. وهنا سيكون أمام خيارين: إما رفض الضغوط الأميركية، وقد سبق له أن رفضها قبل ذلك في أكثر من مناسبة، وخوض "المغامرة المضمونة" لأن الشارع معه، أو الرهان على عامل التهدئة وضخ "العملة الصعبة" للشارع، وحينها يكون سقوطه "فتحاوياً" في المقاوم الأول.
في الوقت الراهن، من المستبعد أن يختار عباس، الخيار الثاني، لأنه خبير في استطلاعات الرأي، ولديه ما يكفي من أجهزة قياس الحماسة الوطنية، وتأتيه التقارير التي تفيد بأن فلسطينيّي القدس والضفة لن يهدأوا قبل وقف العدوان على غزة. لذلك سيعمل على أن تكون "فتح" هي "الرقم الصعب"، جرياً على مقولة أبو عمار: الشعب أكبر من قيادته. وربما يكون أمين سر منظمة التحرير، ياسر عبد ربه، قد أخبره بنظريته الجديدة: إن لم نغير نهجنا، سنتغير نحن.

سينتظر الفلسطينيون اجتماع قادة العمل الوطني في القاهرة، الذي دعا إليه عباس. ما سيقرره المجتمعون سيكون فاصلاً، مع أن مكان اللقاء سيكون عامل ضغط، وخصوصاً أن القاهرة في هذه الأثناء ترفض "الاعمال العدائية".

الانتفاضة الفلسطينيّة الثالثة ضد الاحتلال.. والفصائل بلا "ريموت كونترول"


زاهر أبو حمدة
12 يوليو 2014


أغلقت إدارة موقع "فيسبوك"، في مارس/ آذار عام 2011، صفحة بعنوان "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة"، بضغطٍ من الاحتلال الإسرائيلي، كما قالت صحيفة "هآرتس" في حينها. خاف المحتل من ربيع فلسطيني على غرار الربيع العربي الذي بدأ بدعوات "فيسبوكية"، ومن ثم أسقط أنظمة. ومع أن الفلسطينيين هم من أكثر شعوب المنطقة استخداماً للانترنت، فقد استعاض ناشطون فلسطينيون عن الأدوات الالكترونية بمفاجآت ميدانية، فأقاموا قرى افتراضية مع نهاية عام 2013، في المناطق التي تنوي إسرائيل مصادرتها، مثل "باب الشمس" و"باب الكرامة". كانت التحركات سلمية ويتم قمعها وأسر منظميها. وعاد الفلسطينيون وجربوا ما ابتكروه قبل الربيع العربي، أي التظاهرات السلمية في قريتي نعلين وبعلين ضد الجدار الفاصل، ونجحوا في منع مصادرة الأراضي لصالح الجدار.
وخلال العامين الماضيين، تجرّع الفلسطينيون هدر كراماتهم السياسية والإنسانية. إذ اختار المفاوض الفلسطيني الخيار السياسي والقانوني في المحافل الدولية، والذي مع أهميته، لم يوقف اعتداء مستوطن ولم يفكك حاجزاً ولم يرفع الحصار عن غزة ولم يمنع تهويد القدس ولا تمدّد الاستيطان. كان لا بد من فعل شيء وسط الانقسام الفلسطيني.
أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المفاوضات، فتأكد معظم الفلسطينيين أن إسرائيل لا تريد التسوية، وأن "حلم الدولة" انتهى. وراح الرئيس، محمود عباس، يبحث عن بديل، في ظل احتقان الشارع. ووجد حكومته في أزمة اقتصادية، علماً أن السلطة طلبت من إسرائيل التوسّط لدى صندوق النقد الدولي لمنحها قرضاً، وهي التي تمنع أموال الضرائب عن المقاطعة. واعترف، مع نتنياهو، أنه لا اتفاق سلام. اذاً، فشل مشروعه السياسي القائم على المفاوضات. حتى رئيس دائرة المفاوضات "المستقيل"، صائب عريقات، هاجمه في تسجيل مسرّب.
ضاق الأفق السياسي بالفلسطينيين، وهم لا يحتاجون سوى إلى الرمز لكي ينفجروا. كان الفتى محمد أبو خضير سبباً، كما محمد الدرة، في انتفاضة الأقصى عام 2000، ودهس الشاحنة الإسرائيلية لفلسطينيين في غزة إبان انتفاضة الحجارة عام 1987. حين جرى إحراق أبو خضير، حياً، تداعى الشباب الفلسطيني من دون توجيه أو قيادة إلى التظاهر ومواجهة الاحتلال، فالأمر لا يحتاج إلى "ريموت كونترول". وما لم يكن في الحسبان أن مدن وقرى أراضي الـ48 دخلت على خط المواجهة.
يُحسب للانتفاضة الثالثة وعليها، أنها لا تستمع لأحد، فلا يوجد قائد فعلي لها، وينقصها الهدف السياسي. فالمتظاهرون الفلسطينيون، قبل العدوان على غزة وإلى الآن، يتظاهرون ضد التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وقد دمّروا مراكز للشرطة الفلسطينية في رام الله. رد الرئيس الفلسطيني بأن "التنسيق الأمني مقدّس". هو يخشى من تدمير الضفة وانجازاته العمرانية كما حصل في غزة. ومع ذلك، استمرت المواجهات، ولم يعرف الإسرائيليون متى تنطلق تظاهرة، ويبدأ الاشتباك على الرغم من التنسيق الأمني.
وقد تنبأ القيادي في حركة "حماس"، محمود الزهار، قبل عام، بأن الانتفاضة الثالثة آتية، مشيراً الى أن "الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 48 ستكونان "مخزون المقاومة في مواجهة كل أشكال العنف والعدوان الإسرائيلي".
حاول نتنياهو امتصاص الغضب الفلسطيني والاعلان عن إلقاء القبض على منفذي جريمة أبو خضير، لكنه فشل. حاول أيضاً تصحيح العلاقة مع أوروبا التي تقاطع بضائع المستوطنات، فهو لا بد أنه قرأ تقرير توماس فريدمان، في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حين قال إن "الانتفاضة الثالثة بدأت في الاتحاد الأوروبي". وفتش "بيبي" عن مخرج سياسي بعد استقالة المبعوث الأميركي، مارتن انديك، لكنه عجز عن منع تظاهرة في سخنين، فلجأ إلى الخاصرة الأضعف للهروب من الأزمة، أي غزة.
وفي القطاع المحاصر، حاول إيجاد ضالته لقمع الانتفاضة الشعبية في كل فلسطين التاريخية، وسط انشغال العالم بالمونديال وتمدّد "داعش" في العراق وسورية، فأمطرت السماء صواريخاً كاد أحدها يصيبه خلال مؤتمره الصحافي.