الجمعة، 26 ديسمبر 2014

فلسطين آخر الهموم في عقيدة "داعش"

زاهر أبو حمدة
2014-09-11 

داس عناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) علم فلسطين، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. ويظهر الفيديو أنهم سوريون بحسب لهجتهم، لكن لماذا اختاروا علم "الوطنية" الفلسطيني فقط؟ أليس العلم السوري، مثلاً، يدل على الوطنية، ويرفض "الخلافة" المنشودة عندهم؟ ليس من باب الصدفة أن يداس علم من يقتلهم الإسرائيليون، باعتباره رمزاً لـ"الوطنية" في نظرهم.
ربما لا يعرف "الداعشيون" أن الرسول محمد "ص"، كان لجيشه رايات ملونة، يجمعها العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة، بعيداً عن "راية التوحيد". وكذلك كان لكل قبيلة عربية قبل الإسلام راية خاصة بها.
وخلال العدوان الأخير، كان مسيحيو غزة يستقبلون المسلمين الفلسطينيين في كنائسهم، وللمفارقة أقام الغزيون صلاتهم في كنائس "النصارى". ووجه رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية، الأب مانويل مسلم، رداً على استهداف طائرات إسرائيل المساجد في قطاع غزة رسالة إلى المسلمين قائلاً: "إذا هدموا مساجدكم أرفعوا الآذان من كنائسنا".
في المقابل، كان "داعش" يهجر مسيحيي العراق من الموصل، ويفجر كنائسهم. لكنه نسي أو تناسى أن في الموصل والمناطق التي يسيطر عليها في سورية يوجد فيها أكثر من كنيس يهودي. أليس اليهود أشد عدواة أيضاً للذين آمنوا كما جاء في المصحف؟ أو أن منظري "داعش" لم يسمعوا بحاخام اليهود الشرقيين، الراحل عوفاديا يوسف، ذي الأصول العراقية، أو بوزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، بنيامين ين أليعازر، عراقي الأصل؛ والرجلان مسؤولان عن مقتل آلاف الفلسطينيين المسلمين.
يبتعد "داعش" عن فلسطين، لكنّ طيفه كان حاضراً منذ بدء العدوان الأخير. سُرب بيان يفيد بتبني التنظيم خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في 12 يونيو/حزيران الماضي. وبعد ذلك نُشر فيديو كاذب عن أن "داعش" يطلق صواريخ من غزة على المستوطنات. بعدها، يتم اكتشاف أن جهاز "الشاباك" الإسرائيلي كان وراء تلك الفبركات لأسباب اتضحت خلال أيام العدوان وبعده، حين أصبحت نغمة مماثلة حركة "حماس" بـ"داعش" المعزوفة المفضلة لدى بنيامين نتنياهو. وساوى وزير الداخلية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بين قائد كتائب "القسام"، محمد الضيف، وزعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن "الضيف مثل بن لادن، وهو هدف مشروع، وعندما تسنح الفرصة يجب استغلالها لتصفيته".
لم تفلح المحاولات الإسرائيلية لتهيئة رأي عام عالمي ضد "حماس" كما فعلت الولايات المتحدة ضد "داعش". ربما ذبح الصحافيين الأميركيين جيمس فولي، وستيفن سوتلوف، ساعد الإدارة الأميركية في إقناع جمهورها والعالم بحربها ضد "الإرهاب". ومع أن الصحافي الأخير كان يحمل الجنسية الإسرائيلية إضافة إلى الأميركية، كانت تصفيته رسالة للولايات المتحدة وليس لإسرائيل، وخصوصاً أنه لم يعُرف إن كان ذابحوه يعرفون تفاصيل ازدواج جنسيته.
لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تتلقف المشروع الإسرائيلي، لذلك شدد مقاتلوها وقادتها على قتل الجنود الإسرائيليين وتفادي استهداف المدنيين قدر المستطاع. وهذا ما شدد عليه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل، حين أكد أكثر من مرّة على "اعتدال المقاومة وتعميم تجربتها".

وفي ظل حديث قادة المقاومة عن قرب تحرير المسجد الأقصى، يبدو أن القدس تبتعد عن أجندة "داعش" حالياً.
يتحدث وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان بثقة للقناة "العاشرة" العبرية، أن "(داعش) لا يشكل تهديداً عسكرياً فورياً على إسرائيل". ربما قرأ خصم نتنياهو، خطوات التنظيم منذ التأسيس حتى "تحرير ديار المسلمين". فبحسب مراحل "تحرير كل العالم" بالنسبة لـ"داعش"، يأتي ترتيب "تحرير بيت المقدس" في المرتبة السادسة. ويسبق ذلك، وفقاً لأدبيات التنظيم، مرحلة "الشوكة والنكاية وإثارة الفوضى"، ومن ثم "إدارة التوحش"، ويلحقها مرحلة "دولة الخلافة"، وبعدها "تحرير الدول المجاورة وتوسيع مساحة الدولة"، ويتبعها "تحرير الدول الإسلامية". أما المرحلة السابعة فهي "تحرير سمرقند والأندلس"، وينتهي "تحرير كل العالم" في المرحلة الثامنة والأخيرة.
لكنّ المفاجئ كان أن أرض فلسطين أصبحت "أرض نصرة" بالنسبة لـ"داعش"، إذ أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن عشرة من فلسطينيي 48 التحقوا بالتنظيم للقتال في سورية والعراق، أخيراً، ليرتفع العدد إلى 25 منذ العام 2011، بدلاً من "الجهاد" في أرض بيت المقدس وأكنافها القريبة.
وما زاد بُعد "داعش" عن فلسطين، عدم ذكرها في خطاب التنصيب لـ"الخليفة إبراهيم"، في يوليو/تموز الماضي، وخصوصاً أن القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. لكنّ زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، يُكثر من الحديث عما يجري في فلسطين خلال خطاباته، ويركز على مصطلح "المقاومة" و"ضرورة إقامة دولة إسلامية" في فلسطين. وهنا يظهر أن القضية المركزية تختلف بين "القاعدة الأم" والمنشق عنها.
كما يلاحظ أن خطاب "دولة الخلافة"، جعل من أولوياته إقامة الخلافة وقتال "المرتدين" ومن ثم تحرير فلسطين. ويؤكد التنظيم أن "الله في القرآن الكريم لم يأمرنا بقتال إسرائيل أو اليهود حتى نقاتل المرتدين والمنافقين".

هذا يعني أن "داعش" سيقتل غالبية المسلمين "المرتدين" بنظره، ومن ضمنهم "الروافض" و"النواصب"، قبل أن يفكر بقتال إسرائيل. وهو يعمل على قاعدة ان "مقاتلة العدو القريب مقدم على مقاتلة العدو البعيد". ولذلك لم يشتبك مع إسرائيل ولم يتقدم نحو حدودها، مع أن من يقطع تلك الأميال الكثيرة ويسيطر على الأراضي الشاسعة يمكنه أن يحاول في الجولان مثلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق