زاهر أبو حمدة
12 يوليو 2014
أغلقت إدارة موقع "فيسبوك"، في مارس/ آذار عام
2011، صفحة بعنوان "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة"، بضغطٍ من الاحتلال
الإسرائيلي، كما قالت صحيفة "هآرتس" في حينها. خاف المحتل من ربيع
فلسطيني على غرار الربيع العربي الذي بدأ بدعوات "فيسبوكية"، ومن ثم
أسقط أنظمة. ومع أن الفلسطينيين هم من أكثر شعوب المنطقة استخداماً للانترنت، فقد
استعاض ناشطون فلسطينيون عن الأدوات الالكترونية بمفاجآت ميدانية، فأقاموا قرى افتراضية
مع نهاية عام 2013، في المناطق التي تنوي إسرائيل مصادرتها، مثل "باب
الشمس" و"باب الكرامة". كانت التحركات سلمية ويتم قمعها وأسر
منظميها. وعاد الفلسطينيون وجربوا ما ابتكروه قبل الربيع العربي، أي التظاهرات
السلمية في قريتي نعلين وبعلين ضد الجدار الفاصل، ونجحوا في منع مصادرة الأراضي
لصالح الجدار.
وخلال العامين الماضيين، تجرّع الفلسطينيون هدر كراماتهم السياسية
والإنسانية. إذ اختار المفاوض الفلسطيني الخيار السياسي والقانوني في
المحافل الدولية، والذي مع أهميته، لم يوقف اعتداء مستوطن ولم يفكك حاجزاً ولم
يرفع الحصار عن غزة ولم يمنع تهويد القدس ولا تمدّد الاستيطان. كان لا بد من فعل
شيء وسط الانقسام الفلسطيني.
أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المفاوضات، فتأكد
معظم الفلسطينيين أن إسرائيل لا تريد التسوية، وأن "حلم الدولة" انتهى.
وراح الرئيس، محمود عباس، يبحث عن بديل، في ظل احتقان الشارع. ووجد حكومته في
أزمة اقتصادية، علماً أن السلطة طلبت من إسرائيل التوسّط لدى صندوق النقد الدولي
لمنحها قرضاً، وهي التي تمنع أموال الضرائب عن المقاطعة. واعترف، مع
نتنياهو، أنه لا اتفاق سلام. اذاً، فشل مشروعه السياسي القائم على
المفاوضات. حتى رئيس دائرة المفاوضات "المستقيل"، صائب عريقات، هاجمه
في تسجيل مسرّب.
ضاق الأفق السياسي بالفلسطينيين، وهم لا يحتاجون سوى إلى الرمز لكي
ينفجروا. كان الفتى محمد أبو خضير سبباً، كما محمد الدرة، في انتفاضة الأقصى عام
2000، ودهس الشاحنة الإسرائيلية لفلسطينيين في غزة إبان انتفاضة الحجارة عام
1987. حين جرى إحراق أبو خضير، حياً، تداعى الشباب الفلسطيني من دون توجيه
أو قيادة إلى التظاهر ومواجهة الاحتلال، فالأمر لا يحتاج إلى "ريموت
كونترول". وما لم يكن في الحسبان أن مدن وقرى أراضي الـ48 دخلت على خط
المواجهة.
يُحسب للانتفاضة الثالثة وعليها، أنها لا تستمع لأحد، فلا يوجد
قائد فعلي لها، وينقصها الهدف السياسي. فالمتظاهرون الفلسطينيون، قبل العدوان
على غزة وإلى الآن، يتظاهرون ضد التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وقد
دمّروا مراكز للشرطة الفلسطينية في رام الله. رد الرئيس الفلسطيني بأن
"التنسيق الأمني مقدّس". هو يخشى من تدمير الضفة وانجازاته العمرانية
كما حصل في غزة. ومع ذلك، استمرت المواجهات، ولم يعرف الإسرائيليون متى تنطلق
تظاهرة، ويبدأ الاشتباك على الرغم من التنسيق الأمني.
وقد تنبأ القيادي في
حركة "حماس"، محمود الزهار، قبل عام، بأن الانتفاضة الثالثة آتية،
مشيراً الى أن "الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 48 ستكونان "مخزون
المقاومة في مواجهة كل أشكال العنف والعدوان الإسرائيلي".
حاول نتنياهو امتصاص
الغضب الفلسطيني والاعلان عن إلقاء القبض على منفذي جريمة أبو خضير، لكنه فشل.
حاول أيضاً تصحيح العلاقة مع أوروبا التي تقاطع بضائع المستوطنات، فهو لا بد
أنه قرأ تقرير توماس فريدمان، في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية،
حين قال إن "الانتفاضة الثالثة بدأت في الاتحاد الأوروبي". وفتش
"بيبي" عن مخرج سياسي بعد استقالة المبعوث الأميركي، مارتن انديك،
لكنه عجز عن منع تظاهرة في سخنين، فلجأ إلى الخاصرة الأضعف للهروب من الأزمة،
أي غزة.
وفي القطاع المحاصر،
حاول إيجاد ضالته لقمع الانتفاضة الشعبية في كل فلسطين التاريخية، وسط انشغال
العالم بالمونديال وتمدّد "داعش" في العراق وسورية، فأمطرت السماء
صواريخاً كاد أحدها يصيبه خلال مؤتمره الصحافي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق