الجمعة، 26 ديسمبر 2014

احتمالات الانتفاضة المسلحة في الضفّة: البحث عن "الفدائي الأول"

زاهر أبو حمدة

2014-07-26 

ابتكر المتظاهرون في مدن وقرى الضفة الغربية، الألعاب النارية وأشعة الليزر الخضراء في التصدي لاعتداءات الاحتلال على مسيراتهم. ربما كانوا يفضلون استخدام الأسلحة النارية بدل الألعاب، كما فعل ملثمون من مخيم قلنديا أخيراً، أو في حوارة أو أي مكان قريب من مخيم للاجئين الفلسطينيين. وبما أن السلاح "زينة الرجال" في مفهوم الثوار، ظهر من يودون الثأر في تشييع جثامين الشهداء. لم يكن السلاح الخفيف في أيديهم وهم يطلقون النار في الهواء، صدفةً. فقد سمحت أجهزة الأمن الفلسطينية لهم بذلك أو خافت أن تمنعه، وخصوصاً أن الشعب لديه شحنات قتالية كافية، وغالبية المسلحين يقطنون المخيمات التي عجز الاحتلال والسلطة عن "تنظيفها" تماماً من الأسلحة. ومن يحملون السلاح، حالياً، ينتمون الى"أم الجماهير" وذراعها العسكرية المفككة "كتائب شهداء الأقصى". وكان الأمن الفلسطيني قد اعتقل قادتها، ومنهم من أضرب عن الطعام في "سجون رام الله" مثل قائد "الكتائب" في جنين مراد طوالبة.
ثمة غضب يصل إلى حد التمرد داخل البنية التنظيمية لحركة "فتح" وصل إلى المجلس الثوري (يمثل اللجنة التشريعية في الحركة) واللجنة المركزية (تمثل اللجنة التنفيذية للحركة وأعلى مرتبة في السلم التنظيمي). مجموعة لا بأس بها داخل قيادة "فتح" ملّت المفاوضات، وتنادي بالمقاومة المسلحة. انعكس ذلك على القاعدة الجماهيرية للحركة، وخصوصاً أن قياديين معروفين ظهروا على الفضائيات أخيراً، يدعمون حمل السلاح في مواجهة المستوطنين، ويؤكدون أن حركتهم تقاتل في غزة.
بث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أخيراً، فيديو ثلاثة أشخاص يقولون، إنهم من "كتائب شهداء الأقصى" يعلنون النفير العام. وتبنت الكتائب نشاطات عسكرية كثيرة خلال الأسبوعين الأخيرين، كإطلاق النار ضد جنود الاحتلال في قلنديا والخليل ونابلس ووضع عبوة ناسفة قرب مستوطنة معاليه اودميم. في المقابل، لم تتبلور بعد عسكرة الانتفاضة بشكل واضح، لكن بوادرها هي الواضحة، وخصوصاً أن الاحتلال أعلن اكتشافه زورقاً صغيراً محملاً بالأسلحة الخفيفة يعبر البحر الميت في الأردن، من الضفة الشرقية الى الغربية.
ما يزيد من اقتراب عسكرة الانتفاضة، إن استمرت الأحداث على وتيرتها الحالية، هو ظهور الملثمين بالكوفية السمراء والعصبات الصفراء، لأن من سيقود الاشتباكات وينفذ العمليات سيكون من "فتح" عملياً. ويعود ذلك لأن كوادر "حماس" والجهاد الإسلامي" أسرى في سجون الاحتلال، ولم يسمح لرعيل ما بعد الانتفاضة الثانية من خوض التجربة.
في المقابل، أبناء "فتح" العسكريون أو من تبقى منهم خارج الزنازين الإسرائيلية، يملكون أسلحة فردية ولديهم فرصة المناورة في بعض المناطق. وقد تم تفسير خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأخير، على أنه ضوء أخضر لإشعال انتفاضة ثالثة، بعدما أشار إلى آية قرآنية تحث على القتال. لكنه لم يشرح طبيعة القتال، إن كان سياسياً أو عسكرياً بالحجارة أم الرصاص. لكن البيان الأخير لمنظمة التحرير، أكد استمرار هبة الجماهير الفلسطينية عبر التحركات الشعبية السلمية.
يضاف إلى ذلك، أن عباس أمر أجهزته الأمنية بإفساح المجال للمتظاهرين الغاضبين بالوصول إلى حواجز الاحتلال. ووجه أمراً تنظيمياً لكوادر "فتح" بالمشاركة في التظاهرات وقيادتها. ومع ذلك لا تزال الانتفاضة تبحث عن قائد.
خلال "انتفاضة الأقصى" التي اندلعت عام 2000، كان لها قائد موجِّه وقادة ميدانيون، بعكس الآن. فالرئيس الراحل ياسر عرفات، دعم الانتفاضة عسكرياً ومادياً، وتسلمت الدفة كوادر ميدانية، من أبرزها مروان البرغوثي، وثابت ثابت، ورائد الكرمي، وحسين الشيخ، وآخرون. الأول أصبح أسيراً، الثاني والثالث تم اغتيالهما، أما الرابع فتمّ "تدجينه" عبر توزيره. وكان قادة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية يسهلون عمل المقاومة ونقل الأسلحة، في مقدمهم اللواء، فؤاد الشوبكي (أسير حالياً)، ويقودون معارك حقيقية ضد الاحتلال، مثل الضابط أبو جندل، الذي قاد معركة مخيم جنين عام 2002.
تحتاج "فتح" لقيادة انتفاضة الضفة، قراراً حركياً من عباس. وإن كان قد بدل خطابه من "لا انتفاضة في عهدي" إلى "لن ننسى ولن نغفر"، يبقى الشارع هو الحكم. والشارع نفسه هو من فرض على قيادته تغيير موقفها، فحالة الاحتقان الكبيرة ستولد انفجاراً. واختار الرئيس "ركوب الموجة"، وتنقصه اليوم قيادتها. وهنا سيكون أمام خيارين: إما رفض الضغوط الأميركية، وقد سبق له أن رفضها قبل ذلك في أكثر من مناسبة، وخوض "المغامرة المضمونة" لأن الشارع معه، أو الرهان على عامل التهدئة وضخ "العملة الصعبة" للشارع، وحينها يكون سقوطه "فتحاوياً" في المقاوم الأول.
في الوقت الراهن، من المستبعد أن يختار عباس، الخيار الثاني، لأنه خبير في استطلاعات الرأي، ولديه ما يكفي من أجهزة قياس الحماسة الوطنية، وتأتيه التقارير التي تفيد بأن فلسطينيّي القدس والضفة لن يهدأوا قبل وقف العدوان على غزة. لذلك سيعمل على أن تكون "فتح" هي "الرقم الصعب"، جرياً على مقولة أبو عمار: الشعب أكبر من قيادته. وربما يكون أمين سر منظمة التحرير، ياسر عبد ربه، قد أخبره بنظريته الجديدة: إن لم نغير نهجنا، سنتغير نحن.

سينتظر الفلسطينيون اجتماع قادة العمل الوطني في القاهرة، الذي دعا إليه عباس. ما سيقرره المجتمعون سيكون فاصلاً، مع أن مكان اللقاء سيكون عامل ضغط، وخصوصاً أن القاهرة في هذه الأثناء ترفض "الاعمال العدائية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق