الجمعة، 2 يوليو 2010

خلصت الصيفية وما خلصت الحياة الكشفية

يقف حسين (12 عام) امام الخيمة التي هدمها بعد مساهمته بتوتيدها ونام بها سبعة ايام متواصلة، في المخيم الكشفي الصيفي السنوي الذي تقيمه جمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية مفوضية لبنان في بلدة داريا في محافظة جبل لبنان بمنتصف شهر آب. يحاول الطفل تأمل كل خيط نُسجت به هذه الخيمة وكل حبة تراب داسها نهاراً وافترشها ليلاً. يصدح صوت القائد منادياً لجمع جميع الاعضاء حول سارية العلم، فاليوم هو اليوم الاخير للمخيم. تلبي جميع الفرق نداء القائد ومنها فرقة الاشبال التي ينتمي اليها حسين، فالجميع قد هدم الخيم ونظف المكان وجهز الامتعة للرحيل بعد اقل من ساعة. إلتفت الفرق في الساحة حول سرية العلم التي انتصب فيها علمي فلسطين ولبنان بالاضافة الى راية جمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية. يهتف الكشافة بالنشيدين الوطنين اللبناني والفلسطيني ونشيد الجمعية. بعدها يلقي القائد المباشر ايهاب ميعاري كلمة يشكر بها كل الفرق وينوه بفرقة الجوالة التي قدمت في ليلة الوداع وسهرة النار اجمل العروض ومن ثم يشرح الخطوات المتبقة ويعطي الكلام لأمين سر المفوضية في لبنان القائد خالد عوض الذي اكد على اهمية المخيمات الكشفية وعلى دور الكشافة في صنع المستقبل. ووجه التحية لشهداء فلسطين ولروح الشهيد اكرم ضاهر امين سر اللجنة الاولمبية الفلسطينية في لبنان الذي سُمي هذه المخيم على اسمه. بعد ذلك تم اختيار افضل عضو متعاون في المخيم والعضو المثالي بالاضافة الى اختيارات اخرى. بعدها يعطي القائد الامر بإلقاء التحية الكشفية والقاء نشيد الوداع (هيا الى اللقاء غداً...) وإنزال الاعلام التي رُفعت في سماء المخيم.

ذكرى وتذكر
ينفض الجميع من حول السارية ويتوجهون لترتيب بعض الاغراض قبل الرحيل. يحاول حسين توديع كل شبر من هذا المكان، تارةً موئدة النار ومكان الحراسة وتارةً اخرى مكان التحطيب ومكان المطبخ. يتكلم مع رفقائه حول هذه الايام الجميلة المتعبة فيستوقفه محمد (13 عام) بكلام استهجاني (انت زعلان لانو راح نرجع ع بيوتنا، شو بدك ايانا نبقى هون). يرد حسين (هون احلى من عين الحلوة)، يدخل اسامة (16 سنة، وينتمي لفرقة الجوالة) على الخط (التخيم حلو بس لو بتساهل معنا القائد شوي).. يضحك حسين ومحمد فقد كان القائد قد عاقبه بالمشي حافيا على البحص وارسله للتحطيب وحيداً لانه خالف آداب المخيم. يرد اسامة غاصباً (انتو اساسا اشبال وانا جوالة وبتشوفوا السنة الجاي). يتابع محمد وحسين الضخك ويقول محمد (انا خايف يصير فيك متل احمد، فأحمد عوقب بتنظيف المخيم كله بالاضافة الى المبيت خارج الخيمة والحراسة لمدة ثلاث ليالي متواصلة). يترك اسامة زملائه ويذهب، ويبقى محمد وحسين يرتبون شنطهم ويسأل الثاني الاول، ماذا ستفعل حين تصل البيت. يجيب محمد (بدي اتحمم بمي سخنة لانو هون المي باردة كتير وتلجتني) وانت ماذا ستفعل؟ يرد حسين (بدي اكل من طبخ امي واروح عمحل الكمبيوتر واروح مع امي عالسوق نجيب غراض كرمال قرب رمضان). حديث محمد وحسين يستمر عن الذكريات الجميلة التي انقضت في المخيم وخصوصا جلسات السمر في الليل حول موئدة النار والرحلات التي كانوا يقوموا بها في النهار والانشطة العديدة الاخرى.

آلالام وكلام
يجتمع الجميع حول الباصات التي ستقلهم الى منازلهم، الطابور طويل فأكثر من مئة طفل وشاب في هذا المخيم، يسأل احدهم قائدهم، (ايمتا عنا اجتماع؟) يجيب القائد ( بعد بكرا بالمركز لانو بدنا نحضر لرمضان وعنا اشيا كتير واهمها في تدريب للفرقة الموسيقية). يعاود عريف الجوالة عد جميع العناصر وبعده يعد القائد كل الاشخاص وينادي على الاسماء ويأمرهم بالصعود الى الباص. في الباص الجميع يصمت في بادئ الامر الا ان صوت اتى من حسين يطلب من زملائه الحديث الى القائد بشأن اقامة الاجتماع الاتي غداً وليس بعد غد. يتفاوض مع الجميع ويتفقون على ابرام اتفاق ليطرحوا هذه الفكرة مع القائد والسبب انهم سيشتاقون لبعض فقد قضوا اسبوعاُ كاملاُ مع بعضهم وتأقلموا جدا. تصل الباصات الى مخيم عين الحلوة ويصتف الجميع في الطابور الاعتيادي، ويحاول حسين ابلاغ القائد بفكرته فيسبقه القائد ويقول (الاجتماع بكرا مش بعد بكرا وهذا بناءً على طلب 4 باصات من اصل 5 ورأي الاغلبية بيمشي). يستغرب حسين القول فالباص الخامس هو الباص الذي كان به.

نشاط مستمر
كان اليوم التالي حافلاً بالتساؤلات والاقتراحات، الجميع مجتمع في مركز الجمعية. كل الحاضرين يسألون عن النشاط الاتي ويقدمون اقتراحات مهمة. خلصت الحلسة الى عدة نشاطات ابرزها التهنئة بشهر رمضان وعيد الفطر واقامة الاحتفالات والمسيرات الكشفية الليلية بالاضافة الى تنظيق مقبرة درب السيم التي ابتلعتها الاعشاب والحشرات.
يقول القائد ايهاب ميعاري، ان نشاط الجمعية في كل ايام السنة لكننا نراعي الحياة المدرسية. اذ كل الاطفال والشباب في المدارس والجامعات ونحاول ان نساعدعم قدر الامكان في اقساطهم والقرطاسية وما شابه. ان النسيج المجتمعي بحاجة الى الكشافة واغلب الناس تعرف قيمة الجمعية ودورها على الرغم من وجود محرضين ومشكيكين. ان الجمعية تنمي قدرات الفتية والشباب الروحية، العقلية، الجسدية والاجتماعية، ليكونوا مواطنين ايجابين في مجتمعاتهم يجسدون الارتباط الاخوي بالمجيمع المحلي الوطني والقومي والعالمي الانساني. وتقع المسؤولية على عاتقنا بتوعية الفتية والشباب من النواحي الوطنية الفلسطينية وتعريفهم على قيمة فلسطين ومدى اهمية تحريرها، يؤكد الميعاري.
يشرح امين سر جمعية الكشافة والمرشدات في لبنان خالد عوض مبادئ الجمعية التي تقوم على الواجب نحو الله والوطن والاخرين والذات، وذلك بترسيخ الايمان والتمسك بمبادئ الدين والحرص على القيام بالواجب الديني والالتزام بما يدعو اليه من قيم وفضائل. والولاء للوطن وحب الاخرين والدعوة للآخاء والتفاهم المستمرين، من تقديم العون والمساعدة للمجتمع من خلال العمل التطوعي والارتباط بالمجتمع المحلي، العربي والانساني. بالاضافة الى الاهتمام بتنمية الذات لتكون قادرة على اداء ايجابي وفعال. وتنمية الذات مسؤولية فردية لا بد منها لتتكامل مع قدرات المعنين لها.

تاريخ الحركة الكشفية في فلسطين
يعود تاريخ الحركة الكشفية في فلسطين إلى أواخر العهد العثماني حيث اهتم الأتراك بالحركة الكشفية خاصة بعد نشوب الحرب العالمية الأولى وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين اهتمت دائرة المعارف العامة بتأسيس الكشافة في المدارس خاصة ولكون مدير المعارف العام مستر بورمان هو نفسه مندوب الكشافة العام وأخذت الحركة الكشفية الفلسطينية تنمو وتتصاعد حتى قام الإضراب الثورة الكبرى واشتركت الفرق الكشفية في إدارة واجباتها الوطنية فأخذت الحكومة بمطاردتها ومنعت أعضائها من الظهور بالملابس الكشفية فتوقفت الحركة الكشفية وفي عام 1945م وتم تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني حيث كان أول اهتماماته التي سعى إليها، اتخاذ قرار بإحياء الحركة الكشفية الفلسطينية من جديد حيث عقدت اللجنة التنفيذية للأرض مؤتمر عام في القدس بتاريخ 15/7/1945م لقادة الحركة الكشفية حيث اجتمعوا واتخذوا قرار بتأسيس جمعية الكشافة العربي الفلسطيني وقاموا بانتخاب الرئيس العام فوزي محي الدين النشاشيبي وهو احد القادة الذين رافقوا الحركة الكشفية منذ بدايتها وعملوا فيها منذ 1919م وحاز على العديد من الأوسمة كما ألف الكتب العديدة حول الكشافة وأنظمتها وأعمالها ورسائلها كما قاموا بانتخاب مفتشي الألوية الستة.
ومن الجدير بالذكر أن الجمعية لم تتعرض للتداخلات السياسية لأنها لم تتدخل في اللعبة السياسية أصلا فلم تحسب لها الزعامات السياسية آنذاك حساباً على لائحة المشبوهين نواياهم في الوصول إلى المراكز القيادية أما حكومة الانتداب فقد حسبت لهذه الجمعية حسابات أخرى جعلتها تخشى من هؤلاء الشبان الفتية المنتشرة بالآلاف والمتدربين على النظام والتعاون والانضباط. تهتم الكوادر التي تخشى منها الحكومة قبل سواهم فمنها خرج المناضلون الأقوياء الذين تدربوا على الطاعة والنظام وهذا كان السبب الرئيسي إلى رفض الاعتراف بجمعية الكشاف العربي الفلسطيني طيلة الفترة الأولى من حياتها قبل الحرب العالمية الثانية . ولما أعيد تنظيم الجمعية في أواخر الحرب عاد رؤسائها إلى الضغط المتواصل على الحكومة وعلى الجامعة العربية وعلى الكشاف العربي والكشاف في لندن والكشافة الدولية وبعد عام من الضغط المتواصل تم الاعتراف بها كعضو في حركة الكشافة العالمية في المكتب الدولي وكانت القاعدة من هذا الاعتراف الرسمي هو عدم الخوف من التعرض إلى المطاردة من قبل الحكومة والمنع من إقامة الاستعراضات والظهور بالزى الرسمي.
وتعتبر الجمعية من بين الجمعيات المنتشرة على الأرض الفلسطينية والجمعيات ذات النشاطات الوطنية البارزة خاصة وأنها استمرت في أعمالها بانتظام واستمرت حتى النكبة حيث اعترف بها كعضو في حركة الكشافة العالمي فكان سرور الكشافة في فلسطين عظيماً بهذا الاعتراف الدولي بهم لأنه يعني انتمائهم إلى امة مستقلة كسائر الأمم. وفي عام النكبة1948 توقفت الجمعية إلى عام 1964 حيث أصدر الحاكم العام المصري في قطاع غزة قرار بتشكيل الهيئة العامة الفلسطينية للكشافة والمرشدات وهي بمثابة امتداد لجمعية الكشاف العربي الفلسطيني. وأخذت تعمل على نشر الحركة الكشفية في كافة أنحاء قطاع غزة واقبل عليها الفتية والشباب إقبالا منقطع النظير فازدهرت ونمت وكانت هذه الهيئة هي العنوان الكشفي الوحيد للحركة الكشفية الفلسطينية بقيادة الاخ (صبحي فرح) وبقيت تعمل بهذه الروح حتى عام النكبة سنة 1967. واحتلت إسرائيل قطاع غزة عسكرياً وقضت على الحركة الكشفية هناك ومنعتها من القيام بنشاطاتها ومزاولتها وطاردت أعضائها مما أدى إلى توقف الحياة الكشفية هناك توقفاً نهائياً حتى عام1993 حيث بدا الشباب المعنيين بالعمل بهدف إعادة أحيائها من جديد. أما في الضفة الغربية فقد اندمج العمل الكشفي ضمن إطار العمل الكشفي الأردني وتحت رعاية الكشافة الأردنية وانتشرت المجموعات الكشفية في غالبية مدن وقرى الضفة الغربية بشكل ملحوظ وبقيت الحركة الكشفية فاعلة ولم تتأثر بالنكبة على العكس فقد ازدهرت أكثر فأكثر وفي عام 1983 حيث تم تشكيل اتحاد الحركة الكشفية الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة انضمت إليه معظم المجموعات الكشفية وتم انتخاب المجلس الكشفي الاول. واخذ هذا المجلس يعمل بجد ونشاط في العمل على توحيد الحركة الكشفية في الوطن المحتل وتطويرها فأقام المخيمات الكشفية والاستعراضات والندوات وإصدار النشرات رغم القيود والمطاردات التي قام بها الاحتلال والاعتقالات لأفراد الحركة الكشفية وقادتها حيث شملت قائد الاتحاد وأعضاء من المجلس الأعلى للاتحاد وأعضاء المجموعات وبقي الاتحاد يعمل حتى عام 1993 وعلى اثر المسيرة السياسية تم إصدار وثيقة التحويل والاندماج في إطار جمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية التي شكلت خارج الوطن وأخذت تتابع تطورات الحركة الكشفية وواصلت نضالاتها من اجل قبول فلسطين كعضو دائم يتمتع بكامل العضوية والحقوق في المنظمة العالمية للحركة الكشفية بقيادة الأخ أحمد القدوة رئيس اللجنة التنفيذية للجمعية التي عادت إلى ارض الوطن. حيث حازت جمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية على الاعتراف الدولي في يوليو / 1996م وتتبع الان الى المجلس الفلسطيني الاعلى للشباب والرياضة.

زاهر ابو حمدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق