ليس غريباً رفض
الأردن "يهودية إسرائيل". أن تكون إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي في
مقابل دولة فلسطينية قومية للشعب الفلسطيني، فهذا يجعل من ضفّتي نهر الاردن، ضفة
واحدة.
خرج
الاردنيون عن صمتهم، وأعلن وزير الخارجية ناصر جودة امام مجلس النواب رفضه مبدأ
يهودية إسرائيل. اختار مكاناً يمثل الشعب، ومن على منصته أكد على مسألة سيتنبّه
اليها المفاوض الفلسطيني، وهي أن الاردن هو المخوَّل الوحيد بالتفاوض بالنيابة عن
فلسطيني الضفة الشرقية.
بدا جودة
مناوراً عنيداً واضعاً الأفخاخ في درب ما يقترحه وزير الخارجية الاميركي جون كيري
من خطة فضحها مبعوثه مارتن انديك لصحيفة "يديعوت احرنوت". يقول إنديك ان
"اتفاقية الاطار" تتضمن اعترافاً فلسطينياً بيهودية إسرائيل، وهنا مربط
الفرس. وإن أضفنا اليها مبدأ تبادل الاراضي، وهو بالأساس لتبادل سكان فلسطينيين
داخل الخط الاخضر مع المستوطنين في الضفة، فهذا يعني أن إسرائيل ستكون يهودية
بأكثر من 90 في المئة من سكانها، وترفض من هو غير يهودي قانونياً واجتماعياً
وسياسياً.
يخاف
الأردن الرسمي من عدد الفلسطينيين. إن أعُلنت الدولة الفلسطينية، سيكون عدد سكانها
4,5 ملايين نسمة في الضفة وغزة، فكيف سيكون الحال لو أضُيف الفلسطينيون المقيمون
في الأردن؟ وبلغة الأرقام أيضاً، قررت الحكومة منح "حقوق مدنية"
لـ"حالات انسانية" ولـ"أبناء الأردنيات المتزوجات من غير
الأردنيين"، البالغ عددهن نحو 85 ألف امرأة، 50 ألفاً منهن تزوجن فلسطينيين،
وذلك استناداً إلى تعديلات أدخلت أخيراً على قانون الجوازات. هذه "الحقوق
المدنية"، التي تشمل منح جوازات سفر عادية، ستمنح لنحو ربع مليون فلسطيني.
كما يفتح بند "الحالات الانسانية" الباب لمنح جوازات سفر لنحو 700 ألف
غزّيّ يقيمون في الأردن، استناداً الى إحصاءات حكومية غير رسمية. ستجد الحكومة
الاردنية نفسها أمام أكثرية فلسطينية ساحقة، مع أنه لا توجد احصائيات رسمية واضحة.
المتعارَف
عليه أن عدد الفلسطينين في الأردن يساوي ثلثي سكان البلاد المقدَّر عددهم بستة
ملايين نسمة. فماذا لو طرحت مسألة الكونفدرالية بين السلطة الفلسطينية والأردن؟
حينها، ربما تصدق التنبؤات الأردنية، ويصبح الأردن "الوطن البديل" ولو
ديموغرافياً وليس سياسياً، على الرغم من نفي الرئيس محمود عباس لكل ما يتعلق
بـ"الوطن البديل" أو الكونفدرالية، على الأقل حتى الآن.
يصرّ
الاردن على التفاوض باسم فلسطينييه، ويؤكد جودة أنه لن يجلس ليفاوض بالنيابة عن
القيادة الفلسطينية. ربما يلعن المسؤولون الاردنيون تلك اللحظة التي جمعوا فيها
كبير المفاوضين صائب عريقات والمفاوض الاسرائيلي اسحاق مولخو في عمّان قبل عامين
تحت عنوان "المفاوضات الاستكشافية". المباحثات في حينها توصّلت الى خطة
كيري حالياً، التي تبنّت خطة الرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون حول مسألة حق
العودة. وفقاً لخطة كلينتون، يقتصر حق عودة اللاجئين الفلسطينيين على ما يقرب من
250 ألف فلسطيني إلى اراضي السلطة، تحت مسمى "لّم الشمل". أمّا باقي
اللاجئين، فيُوَطَّنون في مكان اقامتهم أو يُهجرون مجدداً إلى أوستراليا أو كندا.
هكذا طرحٌ يرعب المسؤولين الاردنيين، فالعملية الرقمية الحسابية في الديوان الملكي
لن تحتمل بقاء الفلسطينيين في الاردن، يضاف ‘ليهم ضعفهم أو أكثر. ربما تتحول
المملكة الهاشمية الى جمهورية فلسطينية او مملكة دستورية، أو نشهد حرباً أهلية في
الاردن. هكذا يفكر الساسة الاردنيون حالياً. فما العمل؟ يتساءل أحد الوزراء
المتحدّر من أصول عشائرية كبيرة. الحل سيكون بضغط أميركي على الاردن وربما سعودي
ايضاً. الضغط سيحمل مساعدات عاجلة لاقتصاد أردني مترنّح، وإغراءات مالية لن تقدر
عمان على رفضها.
الوقت
بدأ يقترب من نهاية أذار/مارس المقبل. أقل من شهرين وسيوقع الطرفين الفلسطيني
والاسرائيلي اتفاقية كيري. سيعترض الاردن وسيبقى يعارض، لكنه ينقذ المعارض الاول،
الرئيس الفلسطيني.
تقول
مصادر فلسطينية مقربة من عباس إنه أرسل الى القادة العرب، عبر وزراء الخارجية في
اجتماعهم الأخير بالقاهرة، واجتماع القدس في مراكش، مضمون خطة كيري والنقاط التي
يرفضها، وخصوصاً يهودية الدولة، لكن لم يجبه أحد.
وعند
زيارة جون كيري الأخيرة الى رام الله، أبلغ عباس الطرف الاميركي تحفظه على بعض ما
جاء في الخطة الاميركية، مثل مسألة القدس الشرقية، وتفاصيل السيطرة الفلسطينية
عليها، وطبيعة الامن في غور الاردن. كما أكّد عباس رفضه ليهودية الدولة، علماً أنه
وافق على تبادل الاراضي بشرط تساوي القيمة والمثل، وبقاء المستوطنات في الضفة. أبو
مازن رمى بالكرة الى ملعب العرب. رفض العرب يهودية اسرائيل، وكذلك أن تكون أبو ديس
عاصمة فلسطين بدل القدس الشرقية. حمل كيري رأي أبو مازن الى القادة السعوديين
والعرب في جولته الاخيرة، فكان الرد: ما يقبل به عباس نقبل به. الاحراج كبير للطرف
الفلسطيني. حاول أبو مازن الهرب من هذا الفخ، فعاد ووقع فيه. أتاه المخلص الأردني
على طبق من مصالح مشتركة، ورفض يهودية إسرائيل.
يقول
ناصر جودة إن بلاده لن تقبل بأي حل للقضية الفلسطينية يمس بمصالحها العليا وأمنها
الوطني. بالفعل، الاردن على صلة بكل قضايا الحل النهائي، وله حق الاعتراض، خصوصا
في مسألة القدس إذ إنه المسؤول قانونياً عن المقدسات فيها. اما الحدود، كذلك الامن
والمياه، فهي مشتركة بين ثلاثة أطراف. قضية اللاجئين بالنسبة للأردن هم المشكلة
الكبرى، وخصوصاً إن أُضيف إليها مسألة التعويض لليهود المهاجرين من بلاد العرب،
فهل سيتم الدفع للأردن بدل إقامة الفلسطينيين على أرضه منذ النكبة الى الآن.
الأردن
في حيرة من أمره، لكن الحيرة السياسية أنجبت الرفض حتى الأن، وهذا ما يساعد الطرف
الفلسطيني في مفاوضاته، وربما يكون ذلك متفق عليه عبر القنوات السرية بين عمان
ورام الله، وإلا لماذا تأخرت الحكومة الاردنية بطرح موقفها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق