حينها، وبين تلاقي حبيبات المطر عند رصيف الخدين، كنتِ انت أجمل ما رأت عيناي.. كان مبسمك ورديٌ من كثرة التقبيل، وإيحاءات زعانفك لم تكن سوى مرآة لأخطاءك. صرختِ، ومن وراء العشب الذي نبت على قلبك، قلتِ: أنت ميت.
ضحكتُ ضحكة متسكعٍ أحمق على زرنفات الحقول، ومعتوه قضى عمره يفتش عن ابتسامتك.. ضحكتي كانت كابوساً متفجراً قلقاً في قواميس اللاموعد، أحقاً انا ميت؟؟ تلفتُ نحوك وكأني لا أرى سوى خيال او ظلال لجبلٍ صغير داخل وادي كبير..
جبروتك يا قاصة روايتي الخرافية، جعلك تهدمين ما ترقى عنه العظماء، وعنادك يا صانعة الانتصارات الزائفة لا تقل عن غارات جوية لا تغير الا على ارضٍ جرداء، ورسائلك لا تتعدى الطرود المفخخة المليئة بالألم والحسرة والعيش على فتات الموتى.
قبل الوفاة، كنت زنبقة خالدة في حديقة الحياة.. كنتِ أجمل ما انجبت النساء.. كنت افخم ما صنع العطارون من عطر.. كنت أرقى انواع الخمور.. كنت وكنا وكانوا.. قبل الوفاة قتلتِ كل ما لديك من انوثة وكبرياء، نَحرتِ عفويتك وطيبتك واصلك وفصلك، وعلوت على هرمٍ من لا شيء.. اغتلتِ العشق المدفون في اعماق روحك ان كان لديك روح.. قبل الوفاة دفنت جسدك الميمم بتراب الارض واستغنيتِ عن شرف الالهة وتبؤتِ مراكز القرار التي لا تمتلك قرار.. أنت الان جثة متعفنة، لا يزورها سوى دود الارض ورائحتها تدوي أنف الزمن. ما جهرت به قبل موتك كان أكاذيب ونسجٍ لنفاق طال تصديقه.. ما غركِ أنك ممثلة بارعة، لكن غرورك استند اصلاً لفراغ المعذبين من أهل الكهف.
يا شقية، لماذا المكابرة على ذلٍ احتشى انفاسك، ولما المقامرة على سنوات عمرك، تختارين ما لا يختاره الصغار، وتذهبين في طريقٍ لا يُعبده الأمل. حاولت مخاطبتك مرةً، أنا الشاكي والباكي والمتضعضر، بكل ما فيكِ من ماضي ان تذكري ولو لمرة محاسن موتاكي.. وتصفيقاً فعلت على مساوئ لا تعتبر خطيئة.. بل هي جزءٌ من اجزاء التركيبة المزجية في كل انسان.
ايتها الميتة، الان وبعد كل انتظار.. فاتك القطار، وعَبر فوق اجزاءك محطماً انفك العالي وساخراً من فلسفتك الحمقاء واساليبك التائهة المتخبطة. هذا ما قاله فارس احلامك حين شاهدك بحلةٍ جديدة.. حلة ملؤها الضغينة وحب المال والظهور والجنسية المتغيرة وركوب الطائرات وسُكنى كواكب لا يزورها الا المنتفخون ازدراءً ومال سرقة.. تركت الحب والمحب ورحلت تشترين هواء الصويا وماء التباهي.. وجلستِ في مقعد كبير الحجم لا يجلسه سوى المازحات الساذجات، وتهيأ لك ان العرش الملكي هو عرش كيلوباترا المخلوعة او شجرة الدر القتيلة.. وما ظنك سوى حلمٌ بسيارة جديدة وقصرٍ وهمي في أعالي القمم المزيفة. لكنك وبعد أيام معدودة، ستجدين نفسك في شرنقة الانفصال والتيه واللاعودة، أخاف عليك من دمعةٍ جارحة وبكاء لا يمسحه عاشق. أخاف عليك من نوبات الحزن واليأس وأهات حديثي النعمة المتكاثرون في زمانٍ خلا فيه التواضع. قبل وفاتك الحتمية، أحذرك يا ذات الجمال المتبعثر، أن تحفظي قيمك المفقودة وان تعلو بك الامواج مجداً لا سوراً مهدوماً وان تدفني نفسك في مقبرة يأوي إليها الغزلان لا الافاعي.. وإن مت موتي لبؤةً واقفة، فعلمي بك لا يتعدى نملة زاحفة تحاول تسلق جبل سكر سينهار بها هذا الجبل الحلو في رشة ماء نجسة ويذوب هذا الجبل وتسقطين متألمة.. وأنت تعلمين انه كان بإمكانك ان تأكلين السكر من القاعدة او السفح وتبنين جبلك الماسي او العاجي بطريقتك، أي طريقة العطاء والتضحية والوفاء والحب..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق