استعير من الزميل رشيد مشهراوي عنوان فيلمه (اخي عرفات) وعدة مشاهد تسجيلية اخرى تحتوي على البعد الانساني لشقيقين لم يعرفا المساكنة الاخوية الا بالصغر. هذا الفيلم هو الوحيد الذي ارخ لرجل عظيم اسمه فتحي عرفات، رجل اعطى فلسطين والثورة الحس الطبي والخدمة المعنوية. ربما لم يُعطً ابو طارق الحق الكافي والوافي، ويأتي هذا الفيلم تكرماً بسيطاً وتوثيقاً لرحلة خمسينية قضاها ربيب الطب الفلسطيني في خدمة شعبه.
"أخي عرفات" هو فيلم تسجيلي أخرجه رشيد مشهراوي كعربون محبة للدكتور فتحي عرفات، الذي رافقهُ في السنة والنصف الاخيرة من حياته وهو يعاني من مرض السرطان ويتصارع معه عسى ان يغلبه. صراع امتد على مساحة ثلاث قارات: افريقيا واسيا واوروبا؛ في القاهرة حيث كان د. عرفات يسكن ويعمل، وفي باريس حيث كان يتعالج، وفي غزة ورام الله حيث كان يعمل ايضاً. العلاقة الانسانية وأواصر الصداقة والتعاون، والرعاية والاهتمام نمت وترعرعت بين د. فتحي ورشيد، عبر رحلة المعاناة المرضية هذه. فجاء الفيلم تسجيلياً لأدق التفاصيل في حياة د. فتحي، حتى لو كانت هذه تتعلق بالحياة اليومية مثل صنع فنجان قهوة، او طبيخ او غسيل صحون، او مسح وتمسيد ارجل د. فتحي، او الاكل او التنقل بالتاكسي من هذا المكان إلى ذاك، او العلاج بالمستشفى او تناول الطعام مع الرئيس الخالد ياسر عرفات.
لا يوجد حتى الان فيلم تسجيلي يكرم هذا الفلسطيني المعطاء، د. فتحي عرفات، سوى هذا الفيلم التسجيلي "أخي عرفات"، الذي اراده رشيد ان يكون حديثاً مع الاخ الصغير عن الاخ الكبير ياسر عرفات. إلا انه جاء، فيلماً تكريمياً يحيي ويخلّد ذكرى هذا القائد الفلسطيني الانساني، الذي عمل مناضلاً في صفوف "فتح"، وفي صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، دون أن يضطر لحمل السلاح يوماً سوى حمل سلاح الطب ونبل رسالته الانسانية. د. فتحي عرفات، مؤسس الهلال الاحمر الفلسطيني وراعيه. وهو الذي وقع العام 1969 على بروتوكولات او ما يسمى باتفاقية جنيف الرابعة. وهو الذي ساهم مع غيره باعطاء الثورة الفلسطينية ذلك البعد الانساني والطبي والاجتماعي والتراثي، على مستوى العالم. د. فتحي عرفات، بصفته رئيساً للهلال الاحمر الفلسطيني رعى حياة الفلسطينيين، ثواراً ومناضلين، شعباً لاجئاً او مقيماً اينما كان في الوطن أو في المنافي. فبنى أكثر من 50 مستشفى وعيادة طبية للهلال الاحمر الفلسطيني، في الاردن ولبنان وسورية ومصر والعراق وفي كل اماكن التجمع الفلسطيني. من خلال العلاقات الدولية التي كان يتقنها باحتراف ومتعة وفن، وعبر المتطوعين والمناضلين الامميين في الهلال الاحمر الفلسطيني أوصل د. فتحي عرفات، صوت الفلسطينيين المقموعين الذين يتعرضون إلى المجازر في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة إلى كل الآذان في أربع زوايا الارض. وقدمت تجمع مستشفيات الهلال الاحمر الفلسطيني، عكا وحيفا والقدس التي كانت قائمة في بيروت، ومستشفى محمود الهمشري في صيدا، الخدمات الطبية الفلسطينية مجاناً، لكل المحتاجين، فلسطينيين ولبنانيين ومواطنين آخرين في لبنان كانوا يعيشون على هامش المخيمات الفلسطينية المسحوقة اصلاً.
يوجد في الفيلم عدة مشاهد انسانية اخرى ولقطات تعرفك على شخصية هذا الانسان المعطاء، في احداها حديث هاتفي، بين الرئيس ياسر عرفات، وشقيقه د. فتحي عرفات، الذي كان يتعالج في فرنسا، ويسكن في شقة رشيد. المشاهد يعرف فحوى الحوار مما نشاهده على الشاشة ونسمعه من فم د. فتحي عرفات. يبدو ان الرئيس عرفات كان يصر، من الطرف الاخر من الهاتف، على ان ينتقل د. فتحي عرفات إلى فندق فيه سبل راحة اكثر من شقة رشيد. فكان اصرار د. فتحي، بالرفض وأصر انه مرتاح عند رشيد، ولا يريد تغيير المكان. ولقطة الاخرى حدثت في مطار باريس ود. فتحي ورشيد عائدان إلى القاهرة. تذكرة السفر بيد المضيفة، تتحدث مع د. فتحي وتسأله هل هي درجة أولى ويأتي رد د. فتحي، لا درجة سياحية. هل يمكن مقارنة ذلك مع كل من سافر منا ليس بدرجة رجال الاعمال فحسب وإنما بالدرجة الأولى. وهذا الرجل القائد، الانسان، لكن المريض، يعود في رحلة العودة الاخيرة إلى مصر من العلاج في باريس يعود على درجة سياحية، رغم حاجته للراحة خلال الطيران.
قدم هذا الفيلم حكايا وقصص كانت تدور بين الاخوين في الصغر وكيف كان الرئيس عرفات الاب قبل الاخ لابي طارق. فيروي الدكتور ان في احدى المرات وهما يتناولان الغداء، والطبيب لا يأكل اللحم بل الخضروات ويريد ابو عمار ان يقنعه بأكل اللحومات، فسأله لماذا لا تأكل مثلي اللحم. فأجاب: لا احبها. فرد الرئيس: الاسد ملك الغابه يأكل اللحم، والخضروات يأكلها الخراف.. هل تريد ان تكون اسداً؟.. هذا يدل على الوعي القيادي عند الرئيس الذي جعل من الشهب الفلسطيني مناضلا وله مؤسساته ونقاباته.
لا بد لنا ان نشكر المخرج رشيد مشهراوي على هذا العمل الذي يحكي عن الرئيس ابو عمار من زاوية اخيه لكنه بين لنا شخصية الطبيب المخلص الذي لم يأخذ حقه في التكريم وتسليط الضوء عليه. وهنا السؤال، من المسؤول عن ذلك؟ فهذا الشخص يستحق منا التخليد والتبجيل لانه الصورة الاخرى لفلسطين والثورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق