الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

زوال إسرائيل: الحصان ليس وحيداً (1)
اعداد: زاهر أبو حمدة



المحارب لا بد أن يعود. المحَبط لا يمكن أن يقود. الضعيف يستحيل عليه أن يسود. قواعد المعركة هي نفسها لم تتغير. الحرب هي ذاتها منذ قرن وأكثر.
مصطلح "النكبة" (اخترعه المفكر قسطنيطن زريق) المُخفف لما حصل عام 1948، يجوز على وصف حال الفلسطينيين كل عام ومعهم العرب. الكل منكوب. الكل مسكوب بوجعه المؤقت، الا الفلسطينيين وجعهم مستمر ويستمر. شعب منذ وعد بلفور عام 1917 وهو يقدم كل يوم شهيد، أسير، جريح، لاجئ.. الحل لهذا الشعب في مشكلته وهي أنه صبور أكثر مما يجب. يصبر على الاحتلال. يصبر على قيادته. يصبر على الصبر، حتى يمل الصبر منه. لكن هناك أمل يشق الطريق ويفتح ثغرة في الجدار. الشبان المنتفضون قمة الأمل. محكومون بالاستمرارية والتضحية. يحكامون جميع الفصائل. يحكمون بحكمتهم الارض الفلسطينية، فأي واحد منهم يمكنه حظر التجوال في تل ابيب او القدس او النقب. يؤمنون بالبقاء على ارضهم ولاجلها. يؤمنون بزوال اسرائيل، بثبوت الادلة او بنفيها. وان كان المفكر عبد الوهاب المسيري، حدد سابقاً في كتابه "اليهود واليهودية والصهيونية" عشر علامات لزوال اسرائيل، فالمؤشرات تتزايد. العلامات العشر وفقاً للمسيري: تآكل المنظومة المجتمعية للدولة العبرية. الفشل في تغيير السياسات الحاكمة. زيادة عدد النازحين لخارج إسرائيل. انهيار نظرية الإجماع الوطني. فشل تحديد ماهية الدولة اليهودية. عدم اليقين من المستقبل. العزوف عن الحياة العسكرية. عدم القضاء على السكان الأصليين. تحول إسرائيل إلى عبء على الإستراتيجية الأميركية. استمرار المقاومة.
هذه العلامات نفصلها في الجزء الثاني، يضاف اليها علامات اخرى كثيرة كالمسألة الديمغرافية. فالفلسطينيون يتساوون العام المقبل مع اليهود في الارض الفلسطينية التاريخية وبعد عام 2020 يصبح عدد الفلسطينيين أكثر من عدد اليهود. كذلك تقدم القائمة العربية في انتخابات الكنيست الأخيرة مؤشر سياسي هام. من المرجح في الانتخابات المقبلة ان تحدد هذه القائمة من سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي. المهم بعد 68 عاماً أن الخوف الدائم من استمرار إسرائيل ككيان سياسي، متواصل. الاصرار لا يزال متوارثاً في الجينات الفلسطينية. سأل أحد الصحافيين، الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بريز، في الذكرى الـ60 للنكبة: هل ستبقى إسرائيل 60 عاما أخرى؟ فرد عليه: "اسألني هل ستبقى 10 سنوات مقبلة؟. إنه الرعب من المستقبل. يقابله الحصان الفلسطيني الصابر المؤنس للبيت. هكذا اراده محمود درويش في ملحمته:
لماذا تركت الحصان وحيداً يا أبي؟
لكي يؤنس البيت يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها.
حين سأل الابن والده في رحله التيه الى المنفى، كان رد الأب مستشرفاً الغد ولو بعد عقود. الحصان لم يعد وحيداً. السكان يتكاثرون ويكثرون أدوات المقاومة. البيت لا زال موجوداً ولو تقسم بين غزة وضفة وأراضي تاريخية. وان كان لكل فارس كبوة، فالفلسطينيون كبواتهم كثيرة لكنها بدأت تنتهي، وبدأت نهاية إسرائيل.



زوال إسرائيل: الحصان ليس وحيداً (2(

 

حاصر الإغريق طروادة عشرة أعوام. لم يستطيعوا الدخول إليها فبنى إبيوس حصاناً خشبياً ضخماً أجوف. اختبأ المحاربون وقائدهم أوديسيوس داخله. أما بقية الجيش فتظاهرت بالرحيل لكنها تخفّت وراء الهِضاب. هكذا أوهم المحاصِرون المحاصَرين أنهم أنهوا الحصار. عليه أرسلوا "الحصان الفخ" إلى الطرواديين على أنه عربون سلام ومحبّة. أقنع الجاسوس الإغريقي سينون قيادة طروادة بقبول الهدية على الرغم من تحذيرات داخل إدارة الحكم الطروادي. أمَرَ الملك بإدخال الموت إلى المدينة. واحتفل الجميع بالانتصار وفك الحصار وقبل مطلع الفجر أصبح الجميع سُكارى حيارى. دقّت ساعة الصفر وخرج المتسلّلون من مخبئهم وفتحوا الأبواب لبقية الجيش وسقطت طروادة. لكن الشعب الفلسطيني لن يسقط. الحصار الإسرائيلي منتهي الصلاحية وبدأ الحصار المعاكس. أرسل الفلسطينيون حصانهم إلى حصون إسرائيل يحمل الحقيقة أولاً.
المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين يواجه الانهيار خلال عشرين عاماً. إسرائيل ستزول عن الخارطة السياسية للشرق الأوسط خلال هذه المدّة. هذه خلاصة دراسة أعدّها مركز "الدراسات الاستراتيجية والتقنية الروسي المستقل" في موسكو. تستنتج الدراسة أن إسرائيل ستصبح ذكرى لرفض الفلسطينيين والعرب لها ولاعتمادها على القوّة العسكرية فقط وفقدانها الدعم الدولي. المسألة العسكرية ستكون موضوع الجزء الثالث لكن ماذا عن الداخل والمحيط والشرعية الدولية؟
كلام الدراسة الروسيّة يؤكّده المؤرّخ البريطاني أرنولد توينبي، فهو يقول: إنه "على الرغم من سيطرة إسرائيل على أراضٍ عربية كثيرة في عام 1967 فإنها لن تعيش طويلاً لأنها مجتمع شاذّ ودولة غريبة ترفضها الأرض والشعوب حولها. إسرائيل ترفض نفسها وتشجّع العرب والعالم على أن يتّحدوا ضدّها اليوم أو غداً حتى يلفظوها، فإذا انقرضت فلن يكون العرب هم مَن فعلوا ذلك ولكنّها إسرائيل نفسها".
مصير إسرائيل يشبه مصير الممالك اللاتينية التي أقامها الصليبيون إبّان احتلالهم لفلسطين. وهي نفسها الممالك الصليبية المتواجدة سابقاً في بلاد الشام. كل هذه الممالك كان مصيرها مرهوناً برغبة أوروبا في إبقائها ضمن الحفاظ على مشروعها الاستعماري. ومهمّة بقائها تحتاج إلى إمداد بشري ومادي. تلك الممالك انهارت وانتهت بعدما تجاهلتها أوروبا ولم تعد تهتم بها وانشغلت بشؤونها الداخلية. السيناريو التاريخي ينسحب بحذافيره على مصير إسرائيل. هي لا تستطيع البقاء من دون الدعم الغربي والأميركي.
ارتبطت نشأة إسرائيل بالاستعمار العالمي. نتج من الثورة الصناعية الأوروبية فائض سلعة وفائض بشري. كان الاتجاه إلى حل هذه المشكلة عن طريق الاستعمار الاستيطاني وأكثر أنواعه خطورة هو الاحتلالي كما في الولايات المتحدة وإسرائيل وهو يفوق خطورة الاستعمار الاندماجي أو ذلك المبني على التفرقة اللونية. ضمن هذا الإطار تم حل مسألة يهود أوروبا. ونظراً إلى طابع إسرائيل الاحتلالي كان خيارها العنف والشراسة مع المقاومة العربية وهو ما طرح مفهوم الجدار الحديدي الذي طوّره آرئيل شارون إلى الفولاذي. تعتمد نظرية الجدار الحديدي على هزائم مُكلفة تؤدّي إلى تحوّلات لدى الخصوم من متطرّفين عنيدين إلى معتدلين على استعداد للمساومة بهدف تحويل الصراع الوجودي بين إسرائيل والعرب إلى "سلام قائم" على التوافق وليس العدل. وهنا ظهر مصطلح "صهينة اليهودية" وهو استغلال المفاهيم الدينية وإفراغها من مضمونها الأخلاقي والروحي واستخدامها في تعبئة الجماهير خلف صفوفها، وهو ما يُطبّق في التداخل بين القومي والديني في "عيد الاستقلال". لكن خلال الأعوام العشرة المقبلة تصبح هذه التركيبة الدينية السياسية فارغة المضمون ولن تُقنع أحداً لا سيما مع ظهور داعش والنظريات اللادينية. بالتالي ستعاني إسرائيل من انخفاض أسهمها الدولية لا سيما في الشارع العالمي.
تغيّرت الدبلوماسية الإسرائيلية لا سيما مع استمرار حكم بنيامين نتنياهو ويظهر ذلك في كتابه "إسرائيل والعالم". هو يؤكّد رفض السلام مع العرب والفلسطينيين وكذلك يضع نفسه نداً للولايات المتحدة الأميركية، اختلف مع جون كيري. فضحه على الهواء مباشرة أثناء العدوان الأخير على غزّة. وكذلك اختلف مع أوباما ونشرت الصحافة التصريحات بينهما لا سيما بعد دعم نتنياهو ميت ترومني في وجه أوباما في الانتخابات الرئاسية. ومهما عملت منظمة "إيباك" في الولايات المتحدة إلا أن اهتمام السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يبتعد رويداً رويداً لا سيما بعد اكتشاف النفط الصخري. كان آرئيل شارون حين يلتقي أي مسؤول أميركي يقول له: "إسرائيل أرخص حاملة طائرات في العالم". وهذا صحيح فالولايات المتحدة تعتبر إسرائيل قاعدة عسكرية أميركية لها في قلب الوطن العربي، لكن اليوم يمكن الاستغناء عنها لا سيما بعد كثرة القواعد العسكرية الأميركية في الاقليم. يُضاف إلى الخلاف مع الأميركيين الغضب الأوروبي من إسرائيل لا سيما بموضوع بناء المستوطنات. والقرار الأوروبي الأخير بمقاطعة بضائع المستوطنات خسرت إسرائيل من خلاله 30 مليار دولار وتصريحات أوروبية كثيرة اتهمت إسرائيل بقتل الفلسطينيين وإنها تتحمّل مسؤولية توقّف عملية المفاوضات. وأكثر من ذلك اتّهمت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت وولستروم إسرائيل بأنها وراء تفجيرات باريس التي تبنّاها داعش.
خسرت إسرائيل الرأي العام العالمي خلال العدوان على غزّة، الصحافة العالمية هاجمت إسرائيل حتى وصلت إلى مرحلة استهزاء جون ستيورات بما تفعله إسرائيل. وبناء على الرأي العالمي كان الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة وعملية نزع الشرعية عن إسرائيل بدأت، والصورة أصبحت على أنها دولة أبارتهايد.
إسرائيل ليست طروادة ولا داعي أن يُدخل الفلسطينيون حصانهم إلى داخلها للقضاء عليها. حصان إسرائيل الخشبي منها وفيها. حسب تقديرات إسرائيلية رسمية يتواجد خارج إسرائيل حالياً حوالى 800 ألف يهودي من حَمَلَة الجنسية الإسرائيلية. أكثر من 500 ألف إسرائيلي يحملون جنسية أميركية أو أوروبية ويمكنهم مغادرة إسرائيل في أي وقت ويلتحقون بمليون إسرائيلي هاجروا فلسطين منذ عام 2000. أدّت الانتفاضة الثانية إلى تقلّص أعداد المهاجرين اليهود وهو ما يقوّض الادعاءات الإسرائيلية حول الأمن ما خلق "دياسبورا جديدة". استخدم اليهود في التعبير عن الهجرة إلى إسرائيل تعبير او مصطلح "عالياه" ويعني الصعود إلى السماء بدلاً من "هجيراه" ويُدلّل على الهجرة. وهم فعلوا ذلك ليحيطوا عملية الاستيطان الاستعماري بهالات من القداسة الدينية. لكن الوضع تغيّر فإن المتقدّمين للحصول على "الجرين كارد" في الولايات المتحدة من كل الأوساط ومن أعمار متنوّعة كثيرة. كان للعنصر الأمني دور أساسي في ذلك إلى جانب أن المستوطنات أصبحت أكثر إفقاراً وهو ما يعبّر عن انشغال مرضي بالأمن على الرغم من أن الشعب الفلسطيني تحت الحِصار والميزان العسكري لصالح إسرائيل غير أن كل ذلك لم يستطع أن يقضي على اليقين الإسرائيلي من أن الأرض ليست أرضهم.
الوضع المجتمعي الإسرائيلي هزيل ويتفكّك بسرعة قياسية. قام التشكيل الاجتماعي لإسرائيل منذ تأسيسها على تعدّدية إثنية نادرة. هُجّر مئات الألوف من بقاع الأرض بثقافاتهم وأعراقهم المختلفة ولم يجمع بينهم سوى الدين، وتشكّل المجتمع في أرض تملكها أعراق أخرى بل واتباع ديانات أخرى غير اليهودية. تسبّب ذلك بزيادة التعدّد والتنوّع الاثني والديني في المجتمع. وينقسم المجتمع في إسرائيل أفقياً وعمودياً بدرجة مُثيرة. يتشكّل عمودياً من عرقين أساسيين: "السفارديم" وهم اليهود الشرقيون ويشكّلون أكثر من 60% من اليهود في المجتمع، و"الأشكناز" أي اليهود الغربيون ويشكّلون حوالى 40% من اليهود. ثمة تناقضات كبيرة بين هاتين الفئتين على وجه التحديد تتعلّق بالتاريخ والتوجّهات السياسية والفكرية بل والطائفية الدينية. ينقسم المجتمع أفقياً على أسس متعدّدة: يتشكّل من حوالى 15% من المسلمين، و2% من المسيحيين، فيما يشكّل اليهود 79% من المجتمع. أما نسبة الفئات العلمانية 75-80%، والمتديّنة بنسبة 20-25%. يشكّل الفلسطينيون داخل المجتمع الإسرائيلي حوالى 20,8%، أما المهاجرون اليهود فيشكّلون 79%. والفئة الأضعف أي "الفلاشا" وهم المهاجرون من أثيوبيا نسبتهم لا تتجاوز الـ1,3%. ويتوزّع هذا التنوّع الاثني والديني على أحزاب سياسية ودينية وطائفية مختلفة تزيد على 15 حزباً رئيسياً.
وينقسم المجتمع في إسرائيل بتراكيبه المختلفة عمودياً في النظام السياسي إلى اتجاهات يسارية ويمينية في المحصّلة. ولا ينفي ذلك بالطبع وجود التوجّهات الوسطية أو غير ذلك، غير أن الصفة السائدة والمؤثّرة في النظام السياسي هي التشدّد حالياً لا سيما بعد سيطرة "الحريديم" (المتديّنون) على نسبة كبيرة من صناعة القرار في الحكومة والتوسّع الاستيطاني.
تشعر الأعراق والطوائف في إسرائيل بالظلم. الفلسطينيون (العرب) المسلمون والمسيحيون يتعرّضون لاضطهاد واضح. محاولات عديدة لاستبعادهم من الحياة السياسية الإسرائيلية والزجّ بهم في خانة أعداء الدولة، وعدم اعتبار مصالحهم ومستقبل أبنائهم في أنظمة إدارة الدولة المتعلّقة بالتعليم والخدمات الصحيّة والبلدية وغيرها. كما لا يتمتّع هؤلاء على الرغم من انتماء عدد منهم للأحزاب الإسرائيلية الرئيسة بالمناصب العُليا إلا ما ندر ويُستبعدون عادة من المنصب الوزاري. ويُطلب منهم الخروج من اجتماعات لجنة الأمن والخارجية في الكنيست عندما يجري الحديث عن العرب الفلسطينيين في الأراضي المُحتلّة عام 1967. في المقابل يشعر اليهود الشرقيون (السفارديم) بسيادة العنصر الغربي (الأشكناز) على مقاليد الحكم. يسيطر اليهود الغربيون على أكثر من 70% من المناصب العليا في الدولة، فيما يحظى اليهود الشرقيون فقط بما لا يزيد عن 30% منها. كما أن المتديّنين يشعرون باستهتار العلمانيين المسيطرين على مقاليد الحكم بالدين والشعائر الدينية. ولا يقبل هؤلاء تدخّل النظام القضائي في وقف أو منع بعض ممارساتهم الدينية، فيما ينظر العلمانيون بخطورة كبيرة إلى تزايد نفوذ المتديّنين في المجتمع ما يؤثّر على تقدّم وتطوّر الدولة. الطرفان تواجها في الشارع أكثر من مرّة، ما يعني أن المواجهة مستمرّة وتحمل مفاجآت، لا سيما وأن التغيّرات في الأحزاب والتوجّهات تصل إلى 200% خلال العقدين الأخيرين وفقاً لمركز "دراسات جامعة تل أبيب".
الأكذوبة: شعب بلا أرض لشعب بلا أرض تم فضحها. الشعب الفلسطيني لا يزال في أرضه وأعداد كبيرة من اليهود أتت إلى فلسطين وغادرت. الفكرة الدينية تم نسفها حتى أن فئات من اليهود تطلق على الزواج المُختلط باعتباره أحد عوامل الاندماج في المجتمعات الأخرى تعبير "الهولوكوست الصامت". إنه الخوف من الاندماج مع شعوب وثقافات أخرى. الخوف مبرّر لأنه يفكّك الدولة العبرية من داخل مجتمعها، حتى أن التفكّك السياسي واضح أيضاً من خلال الانشقاقات العديدة في الأحزاب. ويعزّز من عوامل التآكل الداخلي تزايد معدّلات الشذوذ والزواج بين الرجال وانتشار المخدّرات والفساد الإداري حتى طال رؤساء الوزراء وقادة في الجيش.
أما الوضع النفسي للمواطنين الإسرائيليين فخطير جداً لدرجة أن الحكومة خصّصت أطباء نفسيين بصورة مجانيّة لمن يودّ ذلك. فالخوف يتسيّد النفوس الإسرائيلية لا سيما بعد العدوان الأخير على غزّة واندلاع الانتفاضة الثالثة. وبعيداً عن الرابط الأمني بالنفسي، لم تعد إسرائيل ذلك الملاذ الآمن اقتصادياً واجتماعياً، فمع انتشار التمييز انتشر الفقر ليصل إلى نسبة 32% وكذلك البطالة التي وصلت إلى 35%.
المستوى الدبلوماسي والسياسي يهبط إسرائيلياً يقابله صعود فلسطيني. المستوى المجتمعي والاقتصادي والنفسي الإسرائيلي ينحدر جداً يواجهه تمسّك فلسطيني بالأرض والدفاع عنها. هكذا يصعد الحصان الفلسطيني الأصيل كل المنحدرات والحصان الخشبي الإسرائيلي يتكّسر في فؤوس وسكاكيين الفلسطينيين.

 

زوال إسرائيل: الحصان ليس وحيداً (3(

 

التافهون للتافهات. الصادقات للصادقين. العاهرون للعاهرات. الطيبات للطيبين. المجرمون للمجرمات. الجميع يجتمع في فلسطين. البعض استثناء. قوانين الارض طُبقت في فلسطين: عدالة السماء، انتقام العاطفة، ثأر العدالة، الارض مقابل السلام، الموت مقابل الحياة، الطعام لأجل الاستمرار، الحصار لهزيمة الانتصار..

الجميع يجتمع في فلسطين، لكنهم متشابهون. نحن متخاصمون: لا يوحدنا حزب او دين، نحن اسلاميون، مسيحيون، ملحدون، يساريون، علمانيون، تقدميون، رجعيون.. نحن ننقض ما يجمعنا، وهم تناقضهم يجمعهم. انها المصلحة بوجه ديني دنيوي. المعادلة الان: مجتمع ضد مجتمع. فلسطينيون غير امنيين ضد مجتمع امني.
 لكن نظرية الامن الاسرائيلية انتهت الى غير رجعة. اسرائيل ليست "بعبع"، والفلسطينيون يلقحون أطفالهم ضد الخوف. لا يمكن لأي مسؤول اسرائيلي ان يقول لطفل فلسطيني: أعلى ما في خيلك اركبه. 
الخيّالة الفلسطينيون يتكاثرون ويكثرون من جمع اسلحتهم البدائية وهي الاساس في هزيمة الأسلحة المتطورة
التفوق العسكري الاسرائيلي لا يعني شيئاً. هل تواجهة طائرة اف 35 عبوة تزرع في ارض فلسطينية محتلة؟ هل توقف "عربة الرب" (الميركافا) شاباً يحمل سكين؟ كيف يمنع 115 رأساً نووياً اسرائيلياً (بحسب موقع والا) تسلل استشهادي؟ الحصان الفلسطيني يعد العدة ويستعد للمواجهة الكبرى. البداية استنهاض الجمهور، والاقتناع أن العدو يخشاك أكثر مما تخشاه. الوهم الاسرائيلي يتبدد، الجرف الصلب يتكسر، السور الواقي ليس واقياً... 
لذلك ماذا لو تحول الفلسطيني من الدفاع الى الهجوم؟ السؤال بسيط جداً، أجاب عليه ديفيد بن غوريون قبل عقود: اسرائيل يبدأ زوالها حين يخسر جيشها أول معركة. بن غوريون المؤسس ليس منجماً او ضارباً للودع انما يعرف قيمة الجيش بالسيطرة وبسط النفوذ وارهاب الخصم نفسياً وميدانياً. منذ حصار بيروت عام 1982 واسرائيل تتراجع. تنفذ عداوناً على لبنان او اجتياحاً للضفة وتنازل اهل غزة. لكنها تلقت ضربات موجعة جداً بدأ بانسحاب جيش ايهود باراك، من لبنان وهزيمة شارون في انتفاضة الاقصى عام 2000. صفعت المقاومة جيش ايهود اولمرت، عام 2006. وغاص بنيامين نتنياهو، في رمال غزة ثلاث مرات، والمرة الرابعة تقترب
أساساً اسرائيل ككيان أمني تلقى هزيمته العسكرية حين لم يستطع طرد كل الفلسطينيين من ارضهم التاريخية. وتتابعت الهزائم مع انطلاق الثورة الفلسطينية والعمليات الفدائية الكثيرة والمتعددة، الى معركة الكرامة عام 1968 وما تبعها من مواجهات وحرب رمضان عام 1973. الانتصار الكامل الشامل هو مجموعة عوامل وخبرات تتراكم حتى ساعة الصفر. ليس كل ما يخطط له الاسرائيليون ينجح. وليس ما كل ينفذه المقاومون يفشل. 
لم تنجح القبة الحديدية والفولاذية بوقف الصواريخ الفلسطينية واللبنانية. لم تفلح كل الاجراءات الامنية الاسرائيلية من عرقلة عمل الخلايا النائمة والفاعلة من التوغل الى العمق الاسرائيلي. 
بناء الجدران على الحدود مع مصر، غزة، الضفة، لبنان، والاردن لا يحمي الاسرائيليين من الصواريخ والعمليات. ان الحرب المقبلة المتخيلة، ستكون معركة المفاجأت، فلن يقتصر الامر على عمليات من مسافة صفر، او صورايخ بعيدة المدى، او ضفادع بشرية، انما ستكون معركة حامية الوطيس، لا سيما ان تقاطعت نيران غزة مع الجولان وجنوب لبنان. بالفعل انتهى عصر الجيوش. لا داعي للجيوش العربية. انها حرب المجموعات ضد الجموع. مجموعات صغيرة مقاومة ضد الجموع والحشود العسكرية الاسرائيلية
رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، بيني غانتس، قال خلال خطابه في مؤتمر هرتسليا للحصانة القومية، إنه "على الرغم من انهيار الجيوش من حول إسرائيل، إلا أن التحديات الأمنية زادت، وأن حزب الله أصبح قوة عسكرية هائلة، لا توجد في العالم سوى سبع إلى ثمان دول أقوى منها، إذ لديه صواريخ تستطيع أن تغطي كل مساحة إسرائيل". اذا المعركة ستكون صاروخية في المقام الاول، وربما تتحول الطائرات من دون طيار الى طائرات انتحارية هجومية مع مفاجأت تشمل اسقاط طائرات اسرائيلية وتحرير أراضي كثيرة.
ان الاسرائيليين يعرفون تماماً، حجم القوة في الحدود غير المقتصرة على الخنادق والصواريخ، لذلك اعتمدوا الحصار اللامحدود في فلسطين والتضييق الاستخباراتي والمالي بمساعدة الولايات المتحدة. ويضاف الى الامور العسكرية واللوجستية، امر في غاية الاهمية وهي حرب السايبر. فالحرب الالكترونية سيكون لها دور فعال قبل اي مواجهة وخلالها وهذا ما حصل في اكثر من مناسبة. واستطاع المقاومون ان يخترقوا الاجهزة الاسرائيلية الالكترونية الهامة ومنها وزارة الامن والحصول على معلومات سرية. لكن في المقام الاول نصف الحرب هو الحرب النفسية والاعلامية.

أي نوع من الاسلحة لن يكون بمقدوره حسم الصراع إذا فقد الجيش رغبته في القتال .وهذا ما يحصل مع الجيش الاسرائيلي فالمؤشرات تدلل على أن الجيش لم يعد مستعدا للقتال. انتشر الفساد في الجيش ولم الولاء كما كان سابقاً. أعداد الرافضين للخدمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية ترتفع ومحاولات عديدة من الآباء تهريب أبنائهم خارج فلسطين للتملص من الخدمة العسكرية. حسب احصائيات اسرائيلية فإن نحو 20 الى 25% من الشباب اليهودي ينصرف عن الخدمة العسكرية ويهربون اثناء الخدمة وثلث الضباط الاحتياط يتغيبون حين يتم استداءهم. ظاهرة الفرار من الخدمة العسكرية تعد خطيرة في أي مجتمع لكنها تزداد خطورة في مجتمع استيطاني أمني قائم على الحروب الدفاعية والاستباقية.

اعتاد الحصان الفلسطيني خوض المعارك غير المتكافئة عسكرياً، لكنه كان يثبت حضوره ولا يولي الدبر هارباً. وكم من معركة في التاريخ كانت الجيوش المجهزة بالسلاح والعتاد تُهزم امام ارادة وخطة وخدعة. هذا حصل في التاريخ العربي وحصل في التاريخ الحديث. لا يهم جياد العدو. المهم اصحاب الحصان أن يكونوا على قدر قوة صهيله.

 




هناك 11 تعليقًا:


  1. شركة تاج لتنظيف المنازل وتسليك المجاري ومكافحة الحشرات بالدمام 0551844053 تمتلك الشركة افضل الادوات المثالية التى تستخدم في
    عمليات التنظيف بمفهومها الشامل والحديث شركة تنظيف منازل بالدمام
    ومن خدمات شركة تاج ايضا بمدينة الدمام ومنها :
    شركة تسليك مجاري بالدمام
    شركة مكافحة حشرات بالدمام
    شركة مكافحة النمل الابيض بالدمام
    شركة المثالية للتنظيف بالدمام
    شركة مكافحة الحمام بالدمام والخبر


    ردحذف