لتحليل وضع وخطة طريق المجلس الوطني السوري الذي اعلن من اسطنبول امس علينا تحديد خطوط عريضة ودراستها قبل الغوص في تفاصيل هذا المجلس وبيانه وشخوصه:
- الوضع العربي:
يبدو ان الموقف العربي بشأن ما يحصل في سوريا واضح يفيد بأن اغلب الدول العربية ضد النظام وتود اسقاطه وحتى الدولتين الجارتين لبنان والعراق منقسمة حزبيا من الداخل على اي خطوة. لكن الجامعة العربية وبثقلها المصري والسعودي ترى ضرورة تنفيذ الاصلاحات ولم تقل علانيةً بسقوط النظام. المفارقة ان نبيل العربي التقى اشخاصا من المعارضة في القاهرة وذهب الى دمشق وبيده خطة لم تعجب النظام..
- الوضع الاقليمي:
ايران كدولة اقليمية بالغة الاهمية والتأثير ترى بقاء النظام من بقائها ومعه حتى الموت.. وهذه نقطة قوة للنظام سياسيا واقتصاديا ودبلوماسياً.. اما تركيا وهي دولة مهمة وجارة لسوريا ترى سقوط النظام من اولويات سياساتها الخارجية، وعليه صراع تركيا وايران في الملف السوري يأخذ حيزاً كبيراً ويجب الالتفات اليه.. اسرائيل اصداء خطابات ساستها متناقضة، لكن المعلومات تؤكد خوف سوريا من فلتان الامن على حدودها في حال سقوط النظام وفي ذات الوقت تعمل على اسقاطه بحكمة، فهو الداعم والمساند لحزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية، وهي متهمة بقتل العلماء في سوريا مؤخراً وتلعب بالورقة الامنية الاستراتيجية بحذر..
- الوضع العالمي:
الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي متفقان على ضرورة اسقاط الاسد، لكن الملفات التي يملكها النظام (الامن في العراق والانسحاب الاميركي منه، لبنان وحدود اسرائيل، فلسطين وايعاز بعمليات فدائية، افغانستان ورجال المخابرات السورية في كل مكان، .....) اميركا عبر سفيرها فورد يهمها ان يسقط الاسد بسرعة ولكن من يحل مكانه يجب ان يعطي الولاء لها شرط ان يتعكر صفو الامن في البلاد. بعض الشركات الاوروبية والاميركية وخصوصا النفطية منها نصحت بلادها بعقوبات اقتصادية كأقصى حد وان لا يكون التدخل العسكري وارداً.. الحرب ان وقعت سيتشظى بها الخليج وشركات النفط فيها خصوصا وان تدخلت ايران..
روسيا والصين ليستا مع النظام السوري كما يخال للبعض.. هما مع المصلحة السياسية والاقتصادية لهما.. (بعض المعلومات تشر الى ان مطلب المجلس الوطني للمعارضة مطلب روسي صيني، يتفاوض معه الغرب اضافة الى موسكو وبكين بشأن الاقتصاد والسياسة.. كانت حجة روسيا امام اميركا: ان سقط الاسد من سيكون بديله؟؟).
- الوضع المحلي:
المعارضة الداخلية مرتبطة بالنظام باشكال عدة، وكل يغني على ليلاه.. المعارضة الخارجية مشتتة، ولو اجتمع المجتمعون في دمشق.. التكتل السوري الموحد من لندن يشتم بهذا المجلس كذلك هيثم المالح رئيس مجلس انقاذ سوريا، شخصيات معارضة مستقلة ايضاً تقول ما تقول. لكن هذا المجلس برأي الشخصي مخترق من قبل النظام (تنسيقيات الثورة مثلاً من يضمن ممثليها ومن يعرف ممثليها الذين ذهبوا من دمشق الى اسطنبول) مع ان تشكيله اتى برغبة اميركية تركية اخوانجية.. تقاسم الكعكة بين الاطراف المجتمعة كانت عثرة وستبقى كذلك.. اقتسام المال والنفوذ والسلطة يجعل المجلس ضعيفاً. حظوظ الاخوان المسلمين اقوى من الليبرالين والقوميين وممثلي العشائر والتنسيقيات واعلان دمشق.. تركيا ترغب بهم (اوغلو حين زار دمشق اشترط تراس الاخوان للحكومة القادمة واميركا اعلنت قبولها لهم في سوريا ومصر وربما تقبلهم في فلسطين بدلا عن العنيد (برأيهم) ابو مازن)...
خلاصة:
ردة فعل النظام بخصوص المجلس كان عادياً (مؤامرة) كلام روتيني ولم يفصل بيانه وهذا يعني ان النظام لا يأبه كثيراً به حتى اللحظة.. اما المعارضون له من المعارضة موقفهم كان سلبي بعض الشيء ما يدل على ان الشارع السوري سينقسم بتأييد المعارضة وربما يعيد الكرة بجمعة توحيد المعارضة او توحيد المجلس الوطني..
الاعتراف بالمجلس يعني الاعتراف بأعضائه: اعتراف داخلي غير مضمون خصوصا وانه خارج سوريا (في ليبيا كانت بنغازي المرتكز للمجلس وليس مكان غربي).. والشعب السوري بطبيعته لا يحبذ الدبابة الغربية التي على رأسها ابناء جلدته، وبرهان غليون يعلم تماما ذلك وان طلب بحماية دولية حقوقية وليست عسكرية.. ومواقف بعض اعضاء المجلس الوطني من التدخل الاجنبي عسكرياً ستفقد المجلس مكانته في الشارع السوري ورؤية النموذج الليبي يدفع للحذر.. من داخل المجلس يبدو المشهد ضبابياً وعناصر قوته ضعيفة وتركيبته لا تطمئن كثيراً.. ينقصه التمثيل العلوي (بكل تأكيد تواصلوا مع العلويين لكن ما من علوي يجروء على معادة طائفته خصوصا في تركيا وحزب الشعب التركي بالمرصاد) وينقصه احزاب كبيرة مثل التمثيل المسيحي الصحيح والعشائر الكبيرة).. اسقاط مصطلح "الانتقالي" تفيد بأن القيمون على المجلس يعرفون ان مكتبه التنفيذي لن يستطيع الانتقال ليكون حكومة على الاراضي السورية.. وفي بيان برهان غليون نقاط اساسية يجب التوقف عندها مثل مغازلة مؤسسة الجيش وكأنهم يعلمون ان نظام الاسد لا يسقط ان لم يسقط اصف شوكت وماهر الاسد.. اهداف المجلس ملتبسة بعض الشيء، لم تدعوا الى وقف القتل والعنف في مقابل سلمية الثورة وحتى الحماية الدولية لم تتضح وكان الاجدر المطالبة بالحماية السورية والعربية.. ولم يتطرق غليون الى موضوع نكران او تأكيد روايات النظام بخصوص مجموعات ارهابية مسلحة.
سيقوم المجلس المستحدث بالضغط على النظام اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسياً ليس اكثر ولا يملك اوراق ضغط ميدانية سوى تظاهرات.. لكن الخطوة القادمة ستكون تسليح الثورة عبر جماعة الاخوان المسلمين المسلحين اصلاً وعبر جماعات اخرى من دون تدخل خارجي صريح.. وان اعترف العرب والعالم بالمجلس الانتقالي الا ان العالم كله يعلم خطورة هذه الخطوة على المنطقة بأكملها...
زاهر ابو حمدة